كتب محمد شقير في “الشرق الأوسط”:
أحدث اتهام الوسيط الأميركي توم برّاك الحكومة اللبنانية بالتقصير وعدم القيام بأي شيء لنزع سلاح «حزب الله» قلقاً تجاوز الداخل اللبناني إلى المجتمع الدولي، وطرح تساؤلات حول التوقيت الذي اختاره بالتزامن مع وجود الرئيس اللبناني العماد جوزيف عون في نيويورك لتمثيل لبنان في الجمعية العامة للأمم المتحدة وانطلاق المؤتمر الدولي برعاية المملكة العربية السعودية وفرنسا تأييداً لحل الدولتين وارتفاع منسوب الاعتراف الأممي بدولة فلسطين، وما إذا كانت المواقف النارية التي أطلقها تحظى بغطاء سياسي من واشنطن أم أنها محصورة بموقف شخصي فحسب.
وتخشى الأوساط السياسية اللبنانية من أن تكون اتهامات برّاك للحكومة بمثابة إنذار يمهد لتوفير غطاء سياسي لرئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو لتوسيع حربه على لبنان بذريعة عدم الالتزام بتطبيق حصرية السلاح بيد الدولة، واستحالة الضغط على نتنياهو في المقابل، لفرض التزامه بخطوات الورقة الأميركية التي حظيت بموافقة لبنان.
وكشفت الأوساط السياسية لـ«الشرق الأوسط» عن أن القلق اللبناني ينسحب أيضاً على معظم أصدقاء لبنان، متسائلة عما إذا كانوا استمدوه من أجواء الاجتماع الأخير الذي جمع لجنة المراقبة الدولية المشرفة على تطبيق وقف النار بنائبة المبعوث الخاص للرئيس الأميركي للشرق الأوسط مورغان أورتاغوس. علماً أن الجانب اللبناني، لم يُبَلّغ بما يوحي بوجود مآخذ (لدى أورتاغوس) على الخطة التي وضعتها قيادة الجيش لتطبيق حصرية السلاح على مراحل، بدءاً من استكمال انتشار الجيش في جنوب الليطاني حتى الحدود الدولية.
دعم مجاني لنتنياهو
ولفتت المصادر إلى أن الخبر اليقين عن موقف واشنطن من اتهامات براك هو الآن بعهدة الرئيس عون الذي التقى وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو في نيويورك، وذلك رغم أن مصادر نيابية بارزة أبدت انزعاجها من اتهامات برّاك، واصفة إياها لـ«الشرق الأوسط» بأنها خروج عن الأصول الدبلوماسية المعتمدة، لكونه يقوم بدور الوسيط بين لبنان وإسرائيل وليس مضطراً لتزويد نتنياهو مجاناً بجرعة دعم ليفرض شروطه بالنار على الحكومة من جهة، والتشويش على ما سيقوله عون أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة من جهة أخرى. فمن المتوقع أن يتناول عون في كلمته ما أنجز حتى الساعة من تطبيق لحصرية السلاح، انطلاقاً من المرحلة الأولى التي نصت عليها الخطة والتي لم تُستكمل بإصرار إسرائيل على احتلالها النقاط التي تتمركز فيها، فيما باشر الجيش بجمع السلاح الفلسطيني من داخل المخيمات بما فيها تلك الواقعة في جنوب الليطاني وشماله على أن يستكمل جمع ما تبقى.
استباق تقرير الجيش
وفق المصادر، يقف لبنان حالياً أمام مرحلة جديدة في ضوء التقرير الشهري لقيادة الجيش، بتكليف من مجلس الوزراء، حول سير العمل لتطبيق المرحلة الأولى من خطتها، والذي يُفترض أن يكون جاهزاً قبل نهاية الأسبوع الأول من تشرين الأول المقبل.
وأكدت المصادر أن فحوى التقرير سيكون موضع تقييم من لجنة المراقبة الدولية ومجموعة أصدقاء لبنان، لافتة إلى أن براك استبق التقرير بتوجيه اتهاماته للحكومة، وقالت إنه في حال ثبت أن الإدارة الأميركية تتبنى هذه الاتهامات، فذلك يعني حكماً أن الضوء الأخضر أعطي لإسرائيل بتوسعة حربها وفرض الحل العسكري على لبنان، كما يعني أن منسوب المخاوف إلى ارتفاع من أن يواجه البلد خريفاً ساخناً.
وسألت المصادر النيابية: هل كان برّاك مضطراً لتوديع مهامه بوصفه وسيطاً بإطلاق مجموعة من المواقف النارية بتحميل الحكومة مسؤولية التقصير في نزع سلاح «حزب الله»، إضافة إلى أنه أراد منها تهيئة الظروف للسفير الأميركي الجديد اللبناني الأصل ميشال عيسى، مع اقتراب تسلم مهامه خلفاً للسفيرة ليزا جونسون بانتهاء مهلة انتدابها؟
وسألت المصادر: هل توخى برّاك من حملته أن يلزم السفير عيسى بالتقيد بالخط البياني الذي رسمه وعدم إخلاله بتحميل الحكومة مسؤولية التقصير في نزع سلاح الحزب، مع أنه، ركّز حملته على «حزب الله» وإيران بتحميلهما مسؤولية تعطيل تطبيق حصرية السلاح. وعدّت المصادر أن مجرد استحضارهما في حملته يلقي آذاناً مصغية لدى المجتمع الدولي بشقيه العربي والغربي الذي ينظر إلى الحزب على أنه آخر ما تبقى من أذرع محور الممانعة في المنطقة، وأنه آن الأوان لتجريده من سلاحه.
وتأخذ الأوساط على قيادة الحزب التباهي علناً باستعادة قدرتها العسكرية واحتفاظها بسلاحها وعدم تسليمه، متسائلة عن المانع من وقوفها خلف الدولة في خيارها الدبلوماسي بإلزام إسرائيل الانسحاب من الجنوب ومطالبة الولايات المتحدة وفرنسا بالضغط عليها إثباتاً لمصداقيتهما برعاية اتفاق وقف النار الذي نفذه لبنان وامتنعت تل أبيب عن تطبيقه.
كذلك يؤخذ على قيادة الحزب رفض التعاون مع الجيش في جنوب الليطاني والتحريض على قوات الطوارئ الدولية «يونيفيل» ومنعها من القيام بدوريات تطبيقاً للقرار 1701 الذي لم ينفذ منذ صدوره في آب 2006. وتقول المصادر: «أين تكمن مصلحة الحزب في تمرير رسائل مزدوجة للمعنيين محلياً وخارجياً بأنه لا يزال يحتفظ بفائض قوة بخلاف ما تكشف عنه الضربات التي أصابته بإسناده غزة والتي أفقدته توازن الردع وقواعد الاشتباك؟».
وتوقفت المصادر أمام دعوة أمين عام الحزب، الشيخ نعيم قاسم، لطي صفحة النزاع مع القوى السياسية المحلية والحوار مع المملكة العربية السعودية، لافتة إلى أنه أشاد في خطابه بموقف الرؤساء الثلاثة حيال انتقادهم استمرار الاعتداءات الإسرائيلية، لكن سرعان ما انقض على إشادته بعض أهل بيته من النواب بتجديد هجومهم على رئيس الحكومة نواف سلام واتهامهم لحكومته بتنفيذ أوامر خارجية، وتحديداً أميركية.
وذلك يؤشر إلى أن حالة الإرباك لا تزال حاضرة داخل الحزب رغم أن مصادر في الثنائي الشيعي محسوبة عليه، تؤكد أنه تجاوزها واستعاد ترتيب بيته الداخلي.
ولفتت الأوساط إلى أن الحزب في غنى عن توفير الذرائع لإسرائيل، وهي ليست بحاجة إليها، فيما تمعن في فرض الحل بالنار على لبنان. لذلك يبقى التأكد من دوافع براك باتهام الحكومة بالتقصير، وما إذا كان مجرد اجتهاد شخصي أو أنه يعكس أجواء في البيت الأبيض.
أخبار متعلقة :