موقع دعم الإخباري

القرى المسيحية حاجة شيعيّة

كتب طوني عطية في “نداء الوطن”:

منذ عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، عاد الطرح الذي يربط بين الأمن والسلام من ناحية، والازدهار الاقتصادي من ناحية أخرى، ليتصدّر مقاربة الإدارة الأميركية في التعامل مع أزمات المنطقة والعالم، بوصفه مدخلًا للحلول واستثمارًا في الاستقرار.

في الوقائع، كان موقع “أكسيوس” نقل عن ترامب رغبته في إنشاء “منطقة اقتصادية” في جنوب لبنان، تُقام على أنقاض المنشآت والأنفاق العسكرية، ويتمّ استبدالها بمصانع وشركات ومشاريع إنتاجية متنوّعة.

من جهته، تناول الموفد الأميركي توم برّاك هذا الملف خلال زيارته الأخيرة إلى بيروت، مشيرًا إلى أن الهدف من المشروع هو دعم “مسلّحي حزب اللّه” وبيئتهم، الذين يعتمدون على التمويل الإيراني، عبر فتح آفاق معيشية بديلة تساعد في تخفيف الارتهان المالي وتوفير فرص عمل مستدامة.

في المقابل، استغلّت مواقع وأقلام ممانعة “الطرح الترامبي” النظري لترويج سيناريوات وأوهام عن تهجير ما تبقى من قرى الشريط الحدودي، بما في ذلك البلدات المسيحية مثل رميش، عين إبل، دبل والقوزح، وصولًا إلى القليعة ومرجعيون، ما أثار مخاوف كبيرة لدى أهالي هذه المناطق.

هذه الهواجس، نقلتها وفود تلك القرى إلى المسؤولين اللبنانيين، لا سيّما في بعبدا، وعين التينة والسراي الحكومي. قبل أيام، زار وفد برئاسة كاهن رعية رميش الأب نجيب العميل رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، ونقل عنه أن “فخامة الرئيس طمأن الأهالي على بقائهم وصمودهم داعيًا إيّاهم إلى عدم الخوف”. وأمس الأول، زار رئيس مجلس النواب نبيه برّي، حيث تلقى الأب نجيب العميل كلامًا مشجعًا ومسؤولًا حول أهمية بقاء القرى المسيحية في الشريط الحدودي، كشاهد حي أمام المجتمعين العربي والدولي على هوية الجنوب اللبنانية. وأكد برّي للوفد أن خيار الدولة هو الضامن الأساسي لأهالي المنطقة، من خلال بسط سيادتها والوقوف إلى جانب الجيش اللبناني.

إزاء هذه المعطيات، لا بدّ من لفت النظر إلى أنه خلال حرب الإسناد، ورغم اشتداد نيرانها، تعرّضت بلدتا القوزح وعلما الشعب لتدمير واسع نتيجة توغّل مقاتلي “الحزب” فيهما، كما تضرّر بعض المنازل في دبل ورميش وعين إبل بفعل القصف الإسرائيلي، ما أدّى إلى نزوح جزئي لسكانها. مع ذلك، شدّدت الاتصالات المحلية والدولية، خصوصًا عبر الكنيسة والسفير البابوي في لبنان، على أهميّة بقاء القرى المسيحية في أماكنها وعدم المسّ بها، طالما أنها ضمن كنف الدولة اللبنانية.

واللافت أن بعض القرى الشيعية الواقعة على “الحافة الأمامية” (بحسب تعبير الشيخ نعيم قاسم)، لم تُصب بأذى كبير من العدوان الإسرائيلي، كبلدتي رشاف وبيت ليف وسواهما، ما يُبرز حقيقة يجب الإقرار بها من قبل “الممانعة” أنه كما لم تُمسّ مؤسّسات الدولة كالمطار والمرفأ والمقار الشرعية، كذلك الأمر بالنسبة إلى تلك البلدات التي رفضت الانجرار مباشرة إلى “وحدة الساحات”، فحافظت على وجودها بأقلّ الخسائر.

ويُذكر أنه عقب استهداف أحد المنازل في بلدة دبل وسقوط ثلاث ضحايا من العائلة نفسها (الأب والأم والابن) خلال الحرب، تصاعدت المخاوف، ما أدّى إلى موجة نزوح بين الأهالي. غير أن هذه الهواجس خفّت نسبيًا بعد تطمينات سياسية وروحية تلقّتها الفاعليات المحلية، من ضمنها الأب نجيب العميل، شدّدت على أن ما جرى لا يُعدّ استهدافًا ممنهجًا أو مقدّمة لإخلاء جماعيّ لأيّ من القرى المسيحية.

وهنا يُطرح السؤال: لو كان المخطط الأميركي الاقتصادي يرتكز فعلًا على التهجير، كما يروّج بعض المتحدّثين باسم “محور الممانعة”، لكانت تلك القرى فرغت من سكانها خلال الحرب، حين كانت الظروف أكثر ملاءمة لتنفيذ هذا السيناريو، سواء عبر النزوح القسري أم عبر منع عودتهم بعد اتفاق وقف إطلاق النار. لكن ما حصل هو العكس تمامًا، حيث ثبتت تلك القرى في أرضها، وعاد أهلها إليها، ما ينفي عمليًا نظرية التهجير، ويؤكّد أن الخطر الحقيقي لا يأتي من الخارج، بل من التورّط في مشاريع عسكرية تتجاوز الدولة وسيادتها. وختامًا، تؤكّد أوساط شيعية أن وجود القرى المسيحية في الجنوب يُشكّل حاجة وضرورة للبيئة الشيعية نفسها، إذ يُعيد الأمل بإبقاء الجنوب ثابتًا في الهوية اللبنانية.

أخبار متعلقة :