كتبت جوانا فرحات في “المركزية”:
“أدعو السعودية إلى فتح صفحة جديدة مع المقاومة” قالها الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم، وفُتح باب الجدل بين رأيين، الأول هناك مَن يعتبر أن الخطوة ليست محكومة بالفشل وهي نتيجة مسار طويل من حوارات وخطوات عديدة كانت هذه أولها. وسبق هذه “المبادرة” تعميم داخلي أصدره قاسم منذ حوالى الشهر يطلب فيه وقف أي تعرض أو هجوم على السعودية أو التحدث عنها بسلبية.
في المقابل ثمة من يشبّه الدعوة بـ”الغبار في الريح ولا أثر لها في السياسة” بدليل أنه منذ أن أطلق الحزب موقفه، لم يتلقَّ أي إشارة واضحة من الجانب السعودي يمكن البناء عليها، وإن كان معلوماً أن المملكة لا ترفض عادة أي دعوة للحوار والتلاقي، لكنها تتمسك بمنطق الدولة وتبني علاقاتها حصراً على قاعدة “دولة مع دولة”.
الكاتب والمحلل السياسي الياس الزغبي يؤكد المؤكد أن “المملكة العربية السعودية لا تتعامل مع فروع دول أخرى إنما مع رأس الدولة، ولا يمكن أن تفتح حوارات ومساومات ومفاوضات مع أحزاب أو فئات خارج الشرعيات الوطنية في الدول. لذلك فإن الرياض تتعامل مع لبنان من دولة إلى دولة، ولا يعنيها أبدا أن تنسج علاقات جانبية مع فروع أو مع فئات خصوصاً أنها من النوع المصنّف إرهابياً سواء على المستوى الدولي أو على المستوى العربي الخليجي تحديداً”.
خلفيات الدعوة التي أطلقها قاسم تجاه السعودية تهدف في قراءة البعض إلى إعادة ترتيب العلاقة معها، في ظل التطورات التي تشهدها المنطقة وإعادة رسم خرائط جديدة، لكن في رأي الزغبي السياق مختلف، ويقول “حزب الله لا يتخذ خطوات أو قرارات من عنديّاته، بل ينتظر المشورة والقرار من مرجعيته في طهران. وقد تكون أشارت عليه بأن يطلق هذه “المبادرة” الغريبة والخارجة عن السياق الطبيعي للتطورات في المنطقة، لأن المسألة أن إيران تحتاج إلى إعادة نسج علاقات مع محيطها وتحديداً مع المملكة العربية السعودية بعدما أنها أثبتت دورها المحوري في الإقليم على المستويين الاقتصادي والسياسي، إضافة طبعاً إلى قدرتها الدفاعية والعسكرية التي لا يستهان بها. لذلك فإن طهران أوعزت إلى نعيم قاسم بطرح الفكرة، مع علمها المسبق أن المسألة محصورة بينها وبين المملكة العربية السعودية، وليست ما بين المملكة وأحد أذرع إيران أي حزب الله”.
يتابع الزغبي “الأمور باتت شديدة الوضوح. المحور بمجمله هو في مرحلة انكسار وانحسار وضعف، وطهران من خلال موقعها على رأس هذا المحور تدرك أنها تحتاج إلى الكثير من تأمين العلاقات مع محيطها خصوصاً العربي وامتداداً مع العالم وتحديداً مع الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، وكل ما قاله الشيخ نعيم قاسم هو نوع من غبار في الريح لا أثر له على أرض الواقع السياسي، لأن من يتابع ويراقب تطور الوضع الإقليمي يرى أن حزب الله لا يزال يكابر ويمانع في تسليم سلاحه غير الشرعي، وقد سمعنا كلاماً شديد الوضوح من الموفد الأميركي إلى سوريا ولبنان توم باراك الذي أعلن بكل صراحة أن رؤوس الأفاعي التي تشكل عداء للولايات المتحدة الأميركية وحلفائها، يجب أن تُقطع وقد سمى تحديداً إيران وذراعها حزب الله”.
في حين يمد نعيم قاسم يده بإيعاز طبعاً من مرجعيته في طهران، إلى المملكة العربية السعودية تراه يستفز الشارع السني في عرينه من خلال رفع صور الأمينين العامين السابقين حسن نصرالله وهاشم صفي الدين على صخرة الروشة في قلب بيروت والمصنّفة كمعلم سياحي وتراثي ومن دون استئذان المجلس البلدي. فهل تكون مجرد استعراض واستمرار لسياسة المكابرة؟
يجيب الزغبي “لا شك أن هناك الكثير من الغرور الذي أصاب قيادة حزب الله. والحقيقة أن الحزب لم يعد في موقع القوة أو في موقع طرح الأفكار والمبادرات. وما الطرح الذي تقدم به الشيخ نعيم قاسم سوى لإرضاء إيران من جهة ومحاولة احتواء النقمة المتصاعدة داخل بيئته، لعله بذلك يوحي لهذه البيئة بأن حزب الله ما زال قوياً وفاعلاً وحاضراً ويتخذ المبادرات ويطرح الأفكار، بينما في الحقيقة لم يعد في موقع المبادر أبداً”.
وبعقّب “الدليل على ضعف حزب الله وابتعاده أشواطاً واسعة عما كان عليه قبل الحرب، اللجوء إلى المسرحيات الظاهرية ومنها أخيراً محاولات الاستفزاز ضد البيئة السنية بشكل عام من خلال التلويح بوضع صور قياداته التي قُتلت خلال الحرب على صخرة الروشة. ونعلم جميعاً أن هناك عظماء في لبنان في مواقع مسؤولية كبرى استشهدوا واغتيلوا ومنهم كمال جنبلاط وبشير الجميل ورفيق الحريري وسواهم من القيادات، مع ذلك لم يفكر أحد في استغلال هذا الحادث كي يستثمره في الإعلام أو في المظاهر الاحتفالية. لذلك فإن لجوء حزب الله إلى هذه الوسيلة، دليل أكيد وإضافي على مدى إصابته بالضعف والانهيار”.
قد يكون حزب الله عمل بنصيحة رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي كان ولا يزال يدفع باتجاه تحسين العلاقة مع السعودية. وقد فوّض الأخير علي لاريجاني متابعة هذا الملف ضمن المحادثات الجارية، وطلب من الحزب وقف المواقف السلبية تجاه المملكة والتزم بإطلاق المبادرة من خلال أمين عام الحزب حرصاً على وحدة الموقف مع شريكه في الثنائية، والتزم قاسم. لكن حتى اللحظة لم يتلقَّ الحزب أي إشارة واضحة من الجانب السعودي يمكن البناء عليها.
عساه يدرك أن تحسين العلاقة مسار طويل وشائك، ولا يمكن إسقاط الأمنيات على أرض الواقع السياسي دفعة واحدة.