كتب يوسف دياب في “الشرق الأوسط”:
شهد ملفّ انفجار مرفأ بيروت تطوراً قضائياً بالغ الأهمية، تمثل بإعلان السلطات البلغارية توقيف المواطن الروسي إيغور غريتشوشكن، مالك الباخرة «روسوس» التي نقلت شحنة نترات الأمونيوم من جورجيا إلى مرفأ بيروت، قبل أن تنفجر في 4 أغسطس (آب) 2020، وتتسبّب بتدمير نصف العاصمة اللبنانية، وقتل 230 شخصاً وإصابة آلاف آخرين.
ووفق مصادر قضائية بلغارية، أُوقف غريتشوشكن لدى وصوله إلى مطار صوفيا آتياً من مدينة بافوس القبرصية، وذلك بناءً على نشرة حمراء صادرة عن الإنتربول الدولي بطلب من القضاء اللبناني، الذي كان قد أصدر مذكرة توقيف غيابية بحقه في 29 سبتمبر (أيلول) 2020.
ملف الاسترداد
وعلى ضوء هذا التوقيف، شرعت النيابة العامة التمييزية اللبنانية برئاسة القاضي جمال الحجار، في إعداد ملف استرداده من السلطات البلغارية. وأفاد مصدر قضائي لبناني لـ«الشرق الأوسط»، بأن القضاء «تبلّغ رسمياً يوم الاثنين بتوقيف غريتشوشكن في صوفيا، وأن النائب العام التمييزي يولي هذه المسألة أهمية قصوى، وسارع إلى الطلب من المحقق العدلي القاضي طارق البيطار تزويده بكامل المستندات والمعلومات التي استند إليها التحقيق لملاحقة هذا الشخص؛ تمهيداً لإرسال طلب رسمي عبر وزارة الخارجية اللبنانية إلى الحكومة البلغارية».
معطيات جوهرية
ورغم عدم وجود اتفاقية تعاون قضائي بين لبنان وبلغاريا، يعوّل القضاء اللبناني على تجاوب صوفيا مع الطلب، أو على الأقل إتاحة المجال لاستجواب غريتشوشكن على أراضيها. ووفق المصدر القضائي، فإن «إمكانية انتقال القاضي البيطار إلى بلغاريا مطروحة، في حال رفضت الأخيرة تسليم الموقوف».
وقال إن استجواب غريتشوشكن «قد يكشف عن معطيات جوهرية حول الجهة الحقيقية التي كانت ستستلم شحنة نترات الأمونيوم»، مشيراً إلى أن «إحدى أبرز النقاط التي سيركز عليها البيطار هي التحقق مما إذا كانت شحنة النترات متجهة من جورجيا إلى موزمبيق كما جاء في الوثائق الرسمية، أم أن بيروت كانت وجهتها المقصودة منذ البداية؟».
ويرجّح أن يكون غريتشوشكن على دراية بهوية الأشخاص الذين اشتروا الشحنة لصالح شركة «سفارو ليمتد» البريطانية، وفق تقدير المصدر القضائي اللبناني، والتثبّت من «علاقته برجلي الأعمال السوريين مدلل وعماد الخوري، المعروفين بصلاتهم الوثيقة بالنظام السوري، واللذين يُعتقد أنهما سدّدا ثمن الشحنة».
وكانت السلطات الروسية رفضت طلباً تقدّم به المحقق العدلي السابق القاضي فادي صواّن خلال شهر سبتمبر 2020، وطلب فيه من روسيا مساعدته على استجواب غريتشوشكن والأخوين خوري وقبطان الباخرة الذين يحملون جميعهم الجنسية الروسية، إلّا أن السلطات الروسية أعلنت رفضها التعاون مع لبنان بهذا الصدد.
طلب الاسترداد الذي سيرسله القضاء اللبناني إلى بلغاريا عبر وزارة الخارجية، لا يعني أن صوفيا قد تستجيب لهذا الطلب، في غياب اتفاقية تعاون قضائي بينها وبين لبنان، لكنّ المصدر القضائي شدد على أن لبنان «سيقوم بواجبه بهذه المسألة، ويترك الأمر لتقدير السلطات البلغارية». وعن إمكانية انتقال القاضي البيطار إلى بلغاريا لاستجواب غريشوشكن في حال رفضت تسليمه، لفت المصدر القضائي إلى أن الأمر «يتوقّف على ردّ بلغاريا وما إذا قبلت التعاون مع لبنان».
النشرة الحمراء
إلى ذلك، نقلت «وكالة الصحافة الفرنسية» عن مصدر قضائي قوله أن غريتشوشكن «أوقف لدى وصوله من مدينة بافوس القبرصية، تنفيذا لنشرة حمراء صادرة عن الإنتربول». وأعلنت النيابة العامة البلغارية في بيان، الثلاثاء، أن «الإنتربول أصدر النشرة الحمراء بناءً على طلب السلطات القضائية اللبنانية، استناداً إلى مذكرة توقيف صادرة في 29 سبتمبر 2020»، وأوضحت النيابة العامة أن غريتشوشكن «مطلوب بتهمة إدخال متفجرات إلى لبنان، في عمل إرهابي أدى إلى وفاة عدد كبير من الأشخاص».
بدورها، أفادت شرطة الحدود البلغارية، بأنها أوقفت غريتشوشكن «أثناء إجراءات روتينية بحق المسافرين الواصلين من بافوس». وقال قائد شرطة الحدود في مطار صوفيا زدرافكو سامويلوف للصحافيين، الثلاثاء، إن الموقوف «لم يبدِ أي مقاومة، لكنّه أصرّ طويلاً على التحدث إلى محامٍ، وبعد استشارة أحدهم، تعاون بشكل كامل»، مشيراً إلى أن الموقوف «أبلغ عناصر شرطة الحدود بأنه يزور صوفيا للسياحة».