Advertisement
العصر الحجري
توقف الأسلاف في العصر الحجري القديم ليسألوا: هل ما سمعوه للتو كان مجرد صوت رياح أم أنه حيوان مفترس؟ أولئك الذين افترضوا أنها أصوات حيوان مفترس كانوا أكثر عرضة للبقاء على قيد الحياة ونقل جيناتهم للأجيال التالية بالمقارنة مع أولئك المُستهترين الذين افترضوا أنها مجرد ريح ففقدوا حياتهم. إن الميل للتركيز على أسوأ السيناريوهات هو ما كان يُعرف في السابق بانه ميزة تطورية للبقاء، وهو ما يُسمى حاليًا، وفقًا لأبحاث العالمين كاشيوبو وبيرنتسون في عام 1999، تحيز السلبية.
التجارب السلبية
بعبارات بسيطة، يميل الدماغ البشري إلى التركيز على التجارب السلبية وتقليل أهمية التجارب الإيجابية. إن تعليق نقدي واحد في تقييم الأداء سيطارد الشخص لأيام، بينما تتبخر عشرات الإطراءات سريعًا، فيما رجح عالم النفس فايش وفريقه البحثي عام 2008 أنه ليس فشلاً شخصياً؛ إنما هو برمجة ما قبل التاريخ والتي كانت ضرورية للبقاء.
علم سيناريو أسوأ السيناريوهات
إن التحيز هو عملية فيزيائية قابلة للقياس في الدماغ. تُظهر الأبحاث باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي أن المحفزات السلبية تثير استجابة عصبية أكبر وأسرع من المحفزات الإيجابية أو المحايدة. تُخصص اللوزة الدماغية، جرس إنذار في الدماغ للتهديد، معظم خلاياها العصبية للبحث عن الأخبار السيئة. بمجرد أن تدق ناقوس الخطر، فإنها تستحوذ على الموارد المعرفية العليا، مُهيئةً الجسم للقتال أو الفرار أو التجمد. وتُعرف تلك العملية بـ"مبدأ كاشف الدخان" (عالم النفس بارلو في عام 2004)، ففي كوخ ما قبل التاريخ، كان من الضروري أن ينطلق الإنذار عند أدنى بادرة دخان، لأن تكلفة تفويت أخذ الحذر من حريق حقيقي تكون كارثية.
في العصر الحالي
في حين أنه عند تركيب نفس جهاز الإنذار فائق الحساسية في منزل عصري مزود بموقد مُنظّم، فإنه يمكن ينطلق عند تحميص الخبز. إنها الحالة الإنسانية المعاصرة، إذ أن نظام كشف التهديدات مُعدّ خصيصًا للنمور ذات الأنياب الحادة، ولكنه حاليًا يُفعّل بواسطة هواتف يمكن أن تُصدر تنبيهات بأخبار عاجلة وإشعارات إعلانية ورسائل نصية.
الوقاية خير من العلاج
يمكن أن تُؤتي استراتيجية "الوقاية خير من العلاج" بنتائج عكسية في العصر الحالي، ففي حين أن هذه الحلقة المفرغة من المخاطر كانت مُتكيّفة في السافانا، إلا أنها الآن غير مُتكيّفة، مُسببةً قلقًا مُزمنًا. نادرًا ما تكون "التهديدات" اليوم مسألة حياة أو موت، لكن الجسم البشري لا يُميّز بينها. إذا تُرك هذا النظام دون مراقبة، فإنه يُقوّض النجاح في الحياة المهنية والعلاقات والصحة.
1. إنذار الجسم الكاذب: إن هناك تكلفة جسدية للتوتر المستمر. عندما تُشير اللوزة الدماغية إلى وجود تهديد مُحتمل (مثل رسالة بريد إلكتروني مُقتضبة أو رسوب في امتحان أو عدم الحصول على ترقية)، فإنها تُنشّط الجهاز العصبي الودي، مُغرقةً جسم الشخص بالكورتيزول والأدرينالين. تُعد استجابة "القتال أو الهروب" هذه مُنقذة للحياة في حالات الطوارئ الحقيقية. ولكن عندما تُحفّز باستمرار بسبب التوتر النفسي، فربما تُؤدي إلى ضعف المناعة ومشاكل في الجهاز الهضمي ومشاكل في القلب واضطرابات القلق.
2. مشاكل القلق المتواصل: يُضيّق القلق الانتباه على التهديدات المُتصوّرة، وهي عملية تُعرف باسم "جذب الانتباه". تُظهر الأبحاث أن "جذب الانتباه" يُغذّي دورة من البحث عن الخطر، ثم إيجاده – لأن الشخص مستعد لذلك - ثم يصبح أكثر قلقًا. بمرور الوقت، تُعزز هذه الحلقة المفرغة الاعتقاد بأن العالم غير آمن. في العلاقات، تُصعّب حالة اليقظة الدائمة هذه التواجد العاطفي مع الشريك، مما يُقلّل من مساحة التواصل والثقة والألفة.
3. الشلل بالتحليل: كان الدماغ القديم يُواجه التهديدات من خلال العمل الفوري مثل الهرب أو الاختباء أو المواجهة القاتلة. تتطلب تحديات اليوم تفكيرًا مُعقّدًا ودقيقًا. إن التأمل المُفرط في التفكير في مشروع عمل لا يُساعد على حلّ المشاكل؛ بل يشل التفكير، مُؤديًا إلى المماطلة والتجنب – مما يُعمّق القلق.
إعادة تدريب الدماغ البشري القديم
إن الخبر السار هو أن الإنسان غير مُقيد بهذا الوضع الافتراضي، حيث أن اللدونة العصبية، وهي قدرة الدماغ على إعادة برمجة نفسه، تُمكّن الأشخاص من بناء عادات عقلية جديدة. بالممارسة، يُمكن تفضيل العقل على رد الفعل، كما يلي:
1. تحديد أبعاد المشكلة: يمكن ملاحظة الفكرة وتصنيفها، مثل أن يقول الشخص لنفسه إنها حالة "تحيز سلبي مرة أخرى"، مما يؤدي إلى خلق تباعد معرفي يُشغّل قشرة الفص الجبهي ويُضعف قبضة اللوزة الدماغية.
2. تحدى الحالة: إن إعادة الصياغة أداة فعّالة لتنظيم المشاعر. عندما يجد الشخص نفسه يُبالغ في تقدير الأمور، يمكنه التفكير بوعي في إيجاد تفسيرات بديلة: "لم يُجب مديري لأنه مشغول، وليس لأنه غاضبًا". تُظهر الأبحاث أن إعادة التقييم المعرفي من أكثر الاستراتيجيات فعالية لإدارة المشاعر السلبية.
3. الاستمتاع بالأشياء الجيدة: يمكن للتجارب الإيجابية أن تتلاشى كالبالونات إذا لم يتمسك الشخص بها. ينبغي تخصيص من 20 إلى 30 ثانية للاستمتاع بلحظات الإنجاز.
تشير نتائج الدراسات إلى أن الشعور بالفرح أو التواصل أو الرهبة، يساعد الدماغ على تسجيل الفرحة بعمق أكبر، ومع مرور الوقت، يُعزز المرونة.
الذعر الفسيولوجي
بالطبع، يكون ناقوس الخطر مُنذرًا أحيانًا باندلاع حريق حقيقي، لكن الانغماس في حالة حقيقية من الخوف أو الهرب يمكن أن يُؤدي إلى العيش في حالة دائمة من الذعر الفسيولوجي وهو أمر مُرهق وغير مُجدٍ. وبالتالي فإن استخدام أساليب تحديد أبعاد المشكلة وتسميتها بشكل واقعي وتذكير النفس ببعض الإنجازات مهما كانت ضئيلة تعد طريقة ضرورية لإدارة القدرة على الاستجابة والقيام برد الفعل المناسب.