توصلت دراسة علمية حديثة إلى دليل هو الأول من نوعه على إمكانية تطوير ما يشبه "الدواء الشامل" لمعالجة الطفرات التي تسبب الأمراض النادرة.
وركزت الدراسة التي قادها فريق من "مركز تنظيم الجينوم" في إسبانيا على مستقبل يُعرف باسم مستقبل فازوبرسين من النوع الثاني وهو أحد البروتينات الغشائية المهمة في جسم الإنسان، وهو ينتمي إلى عائلة كبيرة من المستقبلات تُعرف بالمستقبلات المقترنة بالبروتين والمسؤولة عن استقبال إشارات كيميائية من خارج الخلية ونقلها إلى داخلها لتفعيل مسارات حيوية مختلفة ويتواجد على سطح الخلايا المبطنة لأنابيب الكلى الدقيقة، ويلعب دوراً محورياً في تنظيم توازن الماء داخل الجسم.
Advertisement
وأفادت الدراسة، التي نشرتها دورية nature structural & molecular biology، بأن وظيفة مستقبل فازوبرسين من النوع الثاني ترتبط مباشرة بهرمون الفازوبرسين الذي تفرزه الغدة النخامية الخلفية استجابة لنقص الماء أو ارتفاع تركيز الأملاح في الدم، وعندما يصل الفازوبرسين إلى مستقبله على الخلايا الكلوية، يبدأ سلسلة من الإشارات تؤدي إلى إدخال قنوات مائية تُسمى "أكواپورينات" إلى الغشاء الخلوي تسمح بامتصاص الماء من البول الجاري في الأنابيب الكلوية وإعادته إلى الدم، ما يساعد الجسم على الاحتفاظ بالماء وإنتاج بول مركز.
وعند حدوث طفرات في جين مستقبل فازوبرسين من النوع الثاني، يختل هذا النظام الحيوي بدقة، فالطفرات ربما تغير شكل البروتين أو استقراره، ما يمنعه من الوصول إلى سطح الخلية أو يجعله غير قادر على الارتباط بالهرمون؛ ما يسبب فشل الكلية في الاستجابة للفازوبرسين، وبالتالي عدم القدرة على تركيز البول.
واعتمد الباحثون في الدراسة على هندسة 7 آلاف نسخة مختلفة من مستقبل بروتين فازوبرسين من النوع الثاني في المختبر، لتغطية جميع الطفرات الممكنة تقريباً.
ويمنع الخلل في هذا المستقبل الكلية من الاستجابة لهرمون الفازوبرسين، ما يؤدي إلى مرض نادر يُعرف باسم "السكري الكلوي الكاذب"، أو "مقاومة الفازوبرسين"، والذي يصيب نحو شخص واحد من كل 25 ألف شخص ويتمثل في فقدان قدرة الجسم على تركيز البول، ما يسبب عطشاً شديداً وإفراز كميات كبيرة من البول المخفف.
وعندما اختبر الفريق دواء تولفابتان، وهو علاج فموي معتمد بالفعل لحالات كلوية أخرى، أظهر الدواء قدرة لافتة على إعادة المستقبل إلى مستويات شبه طبيعية في نحو 87% من الطفرات المسببة للمرض، بما في ذلك 60 من أصل 69 طفرة معروفة لدى المرضى، و835 من أصل 965 طفرة متوقعة.
وقال المؤلف الأول للدراسة، تايلور ميجيل: "داخل الخلية، يتحرك مستقبل ذلك البروتين عبر نظام نقل شديد التنظيم، لكن الطفرات تسبب انسداداً يمنعه من الوصول إلى سطح الخلية. تولفابتان يعمل كدعامة مؤقتة، تمنح البروتين الاستقرار الكافي ليمر من رقابة الخلية".
كان الفريق البحثي توصل في أبحاث سابقة إلى أن أغلب الطفرات تضعف استقرار البروتين وتجعل بنيته أكثر هشاشة، لكن الدراسة الجديدة أظهرت أن تولفابتان لا يعتمد على موقع الطفرة في تسلسل البروتين، بل يعمل لأنه يُرجّح الشكل المطوي السليم على حساب الشكل غير المطوي المعيب، ما يسمح للبروتين بأداء وظيفته.
وتكمن أهمية هذه النتائج في أنها أول برهان عملي على أن دواء واحد يمكن أن يعمل كـ"مرافق دوائي شبه شامل"، أي أنه يثبت بنية البروتين ويعيد توازنه في أغلب الحالات، بغض النظر عن موضع الطفرة ما يمثل تحولاً محتملاً في منهجية تطوير الأدوية للأمراض النادرة، والتي غالباً ما تعاني من نقص العلاجات بسبب تنوع الطفرات وقلة عدد المرضى.
وتشير الإحصاءات إلى أن نحو 300 مليون شخص حول العالم يعانون من أمراض نادرة، معظمها ناتج عن طفرات في الحمض النووي. ومع أن كل مرض على حدة يصيب نسبة قليلة جداً، فإن العدد الكبير من هذه الأمراض يجعلها تحدياً صحياً عالمياُ.
وبما أن ما بين 40 إلى 60% من الطفرات المسببة للأمراض النادرة تؤثر على استقرار البروتينات، فإن إثبات فاعلية هذا النهج يفتح الباب أمام مسار أسرع وأكثر كفاءة لتطوير العلاجات.