موقع دعم الإخباري

لماذا الإيرانيات أجرأ من نساء بيئة “الحزب”؟

كتبت ماريانا الخوري في “نداء الوطن”:

في الوقت الذي تخففت فيه إيران من تشددها الديني تجاه الحجاب، لا تزال بعض البيئات في لبنان متمسكة بمفهوم قديم لم تعد حتى “ولاية الفقيه” نفسها تؤمن به. مفارقة صارخة بين إيران التي كانت المثال الأعلى لـ “حزب الله” وبيئته، وبين هذه البيئة التي ما زالت تتعامل مع الحجاب بمنطق الإلزام لا الاختيار.

في إيران، تغيّرت الأمور جذريًا. الدولة التي كانت قبل سنوات تجبر النساء على تغطية رؤوسهن بالقوة، وتعتقل من تجرؤ على خلع الحجاب في الشارع، أصبحت اليوم أكثر تساهلًا. فالحجاب لم يعد مفروضًا بالقانون كما في السابق، والسلطات لم تعد تُجبر أي امرأة على ارتدائه. مفهوم “التكليف” لم يعد كما كان، والمرأة الإيرانية باتت أكثر جرأة في التعبير عن حريتها، سواء في اختيار الحجاب أو في رفضه.

تُظهر مقاطع الفيديو المنتشرة من شوارع طهران ومدن أخرى هذا التحوّل بوضوح: نساء يمشين بلا حجاب علنًا، وأخريات يواجهن رجال الدين بلا خوف. وأحدث مثال على ذلك، الفيديو الذي أثار جدلاً واسعًا في مطار إيراني مؤخرًا، حين أقدمت فتاة إيرانية على خلع عمامة شيخ ووضعها على رأسها كحجاب، بعدما انتقدها لعدم ارتدائها الحجاب. لم تعد هذه الأفعال تُقمع كما في السابق، بل أصبحت جزءًا من مشهدٍ اجتماعي جديد يعكس تقدّمًا فكريًا وجرأة في مواجهة المفاهيم القديمة.

وفي المقابل، ما زالت في لبنان بيئات تتمسّك بأفكار تتناقض مع هذا التطور. بيئة ترى في إيران نموذجها الأعلى، لكنها تتجاهل أن هذا النموذج نفسه قد تغيّر. ففي بعض المناطق اللبنانية، لا سيما في الضاحية الجنوبية، يُنتظر أن تبلغ الفتاة التاسعة من عمرها لتُجبر على ارتداء الحجاب، باعتبارها “مكلّفة”، فيما تُحجّب فتيات أخريات في عمر السادسة أو قبل ذلك، من دون أن يفهمن أصلًا معنى الحجاب أو رمزيته.

وبحسب معلومات “نداء الوطن”، فإن إحدى المدارس في الضاحية الجنوبية ترفض قبول الفتيات غير المحجّبات في صفوفها، ما يعني أن ارتداء الحجاب هناك ليس خيارًا، بل شرطًا للقبول في المؤسسة التعليمية. وهذه الممارسة، وإن كانت تندرج تحت غطاء الالتزام الديني، إلا أنها في الحقيقة تتنافى مع مبدأ حرية المعتقد الذي يكفله الدستور اللبناني.

وهنا لا يدور النقاش حول الحجاب كرمز ديني بحد ذاته، بل حول مبدأ الحرية في ارتدائه. فالحجاب، إن لم يكن خيارًا نابعًا من قناعة، يفقد معناه الروحي ويصبح مجرد قيد اجتماعي.

وفي هذا السياق، يبرز تناقض آخر: بينما باتت المرأة الإيرانية تملك شجاعة مواجهة رجال الدين، ما زالت بعض النساء في لبنان يتعرضن لأبشع حملات التنمر لمجرد اتخاذهن قرارًا بخلع الحجاب. وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، ما إن تُعلن امرأة لبنانية قرارها بخلع الحجاب حتى تنهال عليها الانتقادات والاتهامات وكأنها ارتكبت جريمة. وكأنّ الشرف يُقاس بقطعة قماش، لا بالقيم والأخلاق.

وهذا ما حدث مع ثلاث نساء لبنانيات معروفات خلعن الحجاب وأعلنّ ذلك علنًا: أمل حجازي، أماني جحا، وصفاء درويش. ثلاثتهن واجهن عاصفة من الانتقادات والاتهامات، فقط لأنهن اخترن الحرية في قرارٍ شخصيّ لا يمسّ أحدًا سواهن.

في إيران اليوم، تغيّرت المفاهيم. فتيات إيرانيات يسِرن بلا حجاب، وأخريات يواجهن المشايخ في الشوارع، حتى وصل الأمر ببعضهن إلى ضرب عمامة شيخ في الطريق، ثم متابعة السير بهدوء، في مشهد لم يكن ممكنًا قبل سنوات قليلة. أمّا في لبنان، فما زال بعض رجال الدين يُفتون بإلزام الطفلة الصغيرة بارتداء الحجاب قبل أن تدرك معناه، وكأن الدين يُختزل بالثياب لا بالإيمان.

السؤال هنا: كيف لبيئةٍ تعتبر “ولاية الفقيه” مثلها الأعلى، وتسعى إلى جعل لبنان نسخة ثانية منها، أن تبقى جامدة في الوقت الذي تتقدّم فيه هذه الولاية نفسها؟ لماذا نغض النظر عن تطوّر الفكر في إيران حين لا يخدم التشدد، ونتمسك فقط بما يكرّس الرجعية والسيطرة؟

الحرية لا تتناقض مع الدين، بل تُكمله. والإيمان الحقيقي لا يُفرض بالقوة، بل يُولد من القناعة. فالفتاة التي ترتدي الحجاب بإرادتها أصدق إيمانًا من طفلة تُجبر عليه خوفًا من الفتوى أو من نظرة المجتمع.

لقد حان الوقت لأن تمتلك الفتيات في لبنان الجرأة نفسها التي امتلكتها الفتيات في إيران: الجرأة على التفكير، على السؤال، على الاختيار. ليس لتقليل شأن المشايخ، بل للمطالبة بالحق في الحرية والكرامة.

في النهاية، لا يُختصر الشرف بقطعة قماش، ولا الإيمان بثوب. الإيمان الحقيقي يسكن في القلب، لا على الرأس.

وما دامت إيران نفسها قد تحرّرت من عبء الإكراه، فالأجدر بمن يدّعي الاقتداء بها أن يتحرّر هو أيضًا من الفكر الذي يجعل من الحجاب أداة طاعة بدل أن يكون رمزًا للإيمان.

أخبار متعلقة :