كتبت بولا أسطيح في “الشرق الأوسط”:
تقف الدولة اللبنانية أمام خيارات محدودة جداً لمواجهة تشدد «حزب الله» الذي يرفض تسليم سلاحه، وأيضاً مجابهة الاستكبار الإسرائيلي الرافض بذل أي محاولة عملية تلاقي القرارات اللبنانية الأخيرة بملف حصرية السلاح، وصولاً للضغوط السياسية والاقتصادية والمالية المتزايدة على لبنان. وحقاً، منذ فترة يجد لبنان الرسمي، الممثل بشكل أساسي برئاستي الجمهورية والحكومة، نفسه يدور في حلقة مفرغة. إذ إنه بعد القرار الحكومي الشهير الذي اتخذه مجلس الوزراء يوم 5 آب الماضي بحصرية السلاح وتكليف الجيش اللبناني بتنفيذه، يرى نفسه عاجزاً عن التقدم أكثر في هذا المسار في ظل تشدد «حزب الله» ورفضه رفضاً قاطعاً تسليم سلاحه الموجود في منطقة شمال الليطاني، بل حتى مجرد النقاش بمصيره، طالما إسرائيل لا تزال تحتل مناطق حدودية وتواصل عملياتها الأمنية بشكل يومي منذ اتفاق وقف النار الذي دخل حيز التنفيذ في تشرين الثاني الماضي، بجانب رفضها تحرير الأسرى.
بعدما استبشر مسؤولون لبنانيون خيراً بموافقة حركة «حماس» على خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب التي تلحظ تسليم سلاحها وإنهاء وجودها في قطاع غزة وثناء «حزب الله» على قرار الحركة، خرج الحزب ليؤكد أن المسارين – في قطاع غزة وفي لبنان – منفصلان. وهذا مع التذكير بأنه كان هو الذي قرر ربطهما في تشرين الأول 2023 بعد «طوفان الأقصى».
ورغم التطمينات التي يواصل رسميون لبنانيون بثّها لجهة وجود رسائل دولية حيال نيات إسرائيلية شن حرب جديدة على لبنان، وخروج رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون أخيراً ليؤكد أن «البلد ليس بخطر»، تظل الخشية من تفرّغ تل أبيب لمعركة جديدة على «حزب الله» بعد وقف النار في غزة، تقضّ مضاجع اللبنانيين.
الكرة في ملعب الجيش اللبناني
يعتبر مصدر وزاري لبناني أن «خيار الدولة اللبنانية في التعامل مع المرحلة واضح وحاسم، فهي ليست بصدد التراجع عن قرار حصرية السلاح الذي اتخذته تحت أي ظرف». ويلفت إلى أنه «على الرغم من الصعوبات التي تعترضها نتيجة التشدد العلني للحزب، هناك الكثير من الخطوات على الأرض التي تؤكد تعاون الحزب المتواصل مع عمليات وإجراءات الجيش اللبناني». ويفيد المصدر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بأنه «لجهة القرارات السياسية، نفّذت الحكومة المطلوب منها وزيادة… واليوم باتت الكرة في ملعب قيادة الجيش اللبناني التي ليس خافياً أنها بمهمتها تقفز في حقل ألغام قولاً وفعلاً».
وتابع المصدر أن «الجيش ماض في مهمته بسط سيادة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية لكن تحت سقف تفادي الاقتتال الداخلي والانزلاق إلى حرب أهلية… وهذا قرار سياسي وعسكري في آن».
دور جديد لسلاح الحزب؟
من جهة ثانية، رأت بولا يعقوبيان، عضوة مجلس النواب اللبناني، في لقاء مع «الشرق الأوسط» أنه «لا شكّ في أن لبنان اليوم أمام مأزق كبير فيما يخصّ مسألة السلاح. والمشكلة هي أنه، رغم كل ما قامت به الحكومة اللبنانية من وضع جدولٍ زمني لحصر السلاح بيد الدولة، ورغم خطة الجيش وبدء تنفيذها، يتّضح أن إسرائيل لم تُقابل هذه الخطوات اللبنانية بأي مبادرة مقابلة. بل إن الموقف الإسرائيلي يبدو وكأنه لا يريد حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية».
وأضافت بولا يعقوبيان: «لو كانت هناك إرادة إسرائيلية حقيقية لنزع السلاح، لكانت بادرت على الأقل إلى الانسحاب من بعض المناطق، أو إلى تسليم الأسرى اللبنانيين. لكن شيئاً من هذا لم يحدث، بل على العكس، أكدت أنها تريد احتلال نحو 14 منطقة حدودية وتحويلها إلى مناطق اقتصادية تابعة لها. وهذا الطرح في حد ذاته يعقّد المسألة، ويُظهر أن إسرائيل لا تريد لـ(حزب الله) أن يُسلّم سلاحه، بل تُبقي الباب مفتوحاً لاستخدام هذا السلاح في مرحلة لاحقة، وكأن هناك دوراً تريد منه أن يلعبه».
وتتابع البرلمانية اللبنانية أنه «رغم أن كل المعطيات تشير إلى وجود ضغط أميركي متزايد لتسليم السلاح، فإن الموقف الإسرائيلي لا يزال غامضاً ويثير تساؤلات كثيرة: فهل نحن ذاهبون نحو جولة حرب جديدة في لبنان؟… أم أن الضربة ستوجه مباشرة لإيران وليس لإحدى أذرعها؟».
مسؤولية خارجية
بالتوازي، ترى بولا يعقوبيان أن «الدولة اللبنانية قامت بما يجب عليها القيام به كونها دولة، أما خيار الحرب أو نزع السلاح بالقوة فهو غير مطروح، لأن وضع الجيش اللبناني لا يحتمل مغامرات وخضات من هذا النوع. فهو منهك، وبخاصة نتيجة المعاناة الاقتصادية والمالية التي لا تزال كبيرة. وكذلك ثمة مخاوف حقيقية من انقسام داخل المؤسسة العسكرية نفسها في حال تقرر اللجوء لخيار مواجهة الحزب». ومن ثم، تضيف أن «المطلوب اليوم هو أن يمدّ الخارج يد العون للبنان، لا أن يُترك وحيداً في هذا المأزق، لا سيما، أن سلاح (حزب الله) كبر وتطوّر وتعزّز، وخطوط الإمداد والتدريب كلها كانت وما زالت تحت أنظار العالم أجمع، بما في ذلك الولايات المتحدة».
واختتمت بولا يعقوبيان كلامها بالقول: «العالم كلّه كان متواطئاً عندما كان (حزب الله) يبني قوته، أو حين كانت إيران تبني ترسانتها في لبنان. لذا لا يجوز تحميل لبنان اليوم وحده مسؤولية حلّ هذه الأزمة. إنّ على مَن تواطأ وسكت عن تراكم هذا السلاح طوال السنوات الماضية، أن يساعد لبنان اليوم على استيعاب نتائجه والتعامل معها بشكل مسؤول».
لبنان يسلك مسار التفاوض؟
في سياق موازٍ، كان لافتاً خلال الأيام الماضية خروج رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون بالدعوة للتفاوض مع إسرائيل، معتبراً أنه «سبق للدولة اللبنانية أن تفاوضت مع إسرائيل برعاية أميركا والأمم المتحدة، ما أسفر عن اتفاق لترسيم الحدود البحرية، فما الذي يمنع أن يتكرَّر الأمر نفسه لإيجاد حلول للمشاكل العالقة، لا سيما أن الحرب لم تؤدِّ إلى نتيجة؟».
بالنسبة للنائب أحمد الخير، عضو تكتل «الاعتدال الوطني» البرلماني، فيرى أن «الدولة اللبنانية لم تعد تملك ترف الوقت… وباتت خياراتها محدودة، في ظل التطورات الأخيرة التي تتجه بالمنطقة إلى التسويات، ولا سيما بعد (قمة شرم الشيخ للسلام)، التي أنهت الحرب على غزة، وغلبة خيار التفاوض على خيار الاستمرار في دوامة الحروب والعنف». وأردف الخير في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «الخيار الأكثر واقعية» أمام الدولة اللبنانية هو تثبيت الاستقرار وحماية أمنها وشعبها، وذلك تجسد في موقف رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون الأخير الذي دعا إلى «التفاوض»، انطلاقاً من وصفه واقع «المنطقة التي تتجه نحو مسار تسويات»، وتأكيده أن لبنان «لا يمكن أن يكون خارج مسار تسوية الأزمات»، ولا بد أن يلاقيها بالمزيد من «الخطوات التنفيذية لقرار الحكومة التاريخي بحصر السلاح بيد الدولة».
ورأى الخير أن «(حزب الله) مدعو إلى التعاون مع الدولة اللبنانية في تنفيذ قرارها، وتجنيب لبنان واللبنانيين المزيد من الويلات والحروب، بفعل سياساته وإصراره على الهروب من حقيقة المتغيرات وإنكارها»، لافتاً إلى أنه «مدعو أيضاً إلى أخذ العبَر من تجربة (حماس) في غزة، التي عادت إلى خيار التفاوض لوقف الحرب».
وتابع: «من هذا المنطلق، فإن أي تفاوض قد يجري برعاية عربية ودولية، ومن شأنه حفظ السيادة اللبنانية وصون ثوابتها، يجب أن يُنظر إليه باعتباره خياراً شجاعاً وواقعياً؛ لأن المرحلة اليوم هي مرحلة تفاوض وحلول لا مواجهات وحروب».
4 خيارات متاحة للتعامل مع المرحلة
وانطلاقاً من الوقائع الراهنة، سواءً المرتبطة بتشدد «حزب الله» وحرص الدولة اللبنانية على ملاقاة مسار التفاوض والسلام في المنطقة، يتحدّث جاد الأخوي، المعارض الشيعي اللبناني، ورئيس «ائتلاف الديمقراطيين اللبنانيين»، عن 4 خيارات أمام الدولة اللبنانية للتعامل مع المشهد الراهن، وبالتحديد مع رفض «حزب الله» أي بحث في مسألة سلاحه، لاعتباره أن الظروف الإقليمية (من غزة إلى الجنوب اللبناني) لا تسمح بذلك، وأن السلاح مرتبط بالمعادلة الدفاعية في مواجهة إسرائيل.
الأخوي قال لـ«الشرق الأوسط» إن «الخيار الأول هو الخيار الدبلوماسي – الواقعي، من خلال تثبيت الوضع القائم مؤقتاً عبر التنسيق مع الأمم المتحدة وفرنسا لتفادي الانفجار الشامل، والتأكيد على التزام لبنان بالقرار 1701، والمطالبة بوقف الخروق الإسرائيلية الجوية والبرية، مقابل ضبط أي نشاط مسلح جنوب الليطاني». وأضاف: «من إيجابيات هذا الخيار تجنيب لبنان الحرب، والمحافظة على الحد الأدنى من التوازن، أما سلبياته فتكمن بتكريس واقع ضعف الدولة وتفوّق (حزب الله)».
«أما الخيار الثاني – وفق الأخوي – فهو الخيار التفاوضي – الداخلي، عبر فتح حوار وطني جديد برعاية خارجية (فرنسا أو قطر مثلاً) حول الاستراتيجية الدفاعية، ومحاولة إقناع الحزب بأن التنازل التكتيكي (بشأن نشر الجيش أو ترسيم الأدوار) قد يخدمه استراتيجياً لتفادي صدام دولي أكبر». وأوضح: «من إيجابيات هذا الخيار استعادة الدولة بعض الدور السياسي وتخفيف الضغوط عنها، أما سلبياته فأبرزها اعتماده كلياً على قبول (حزب الله) بالحوار، وهو حالياً مستبعد».
أما الخيار الثالث، فهو بحسب الأخوي «الخيار التصادمي، وهو غير مرجّح لكونه يهدد بانقسام داخلي وربما بمواجهة مفتوحة».
ويستطرد الأخوي: «هنا أمامنا خيار اقتصادي – واقعي يقول بربط المساعدات الدولية بخطة أمنية واقتصادية مشتركة. أي أن الدعم للبنان مقابل ضبط الحدود وتفعيل الجيش. وهذا المسار هو ما تسعى إليه بعض الدول الأوروبية، لأنه يخلق ضغطاً غير مباشر على (حزب الله) من دون صدام مباشر».
ويخلص الأخوي إلى أنه «بناءً على كل ما سبق، فالخيار الواقعي الوحيد حالياً هو الجمع بين الدبلوماسية والحذر. فلا قدرة للبنان على فرض قرار على (حزب الله)، ولا مصلحة له في الانجرار إلى مواجهة مع إسرائيل. وعليه، تبقى سياسة احتواء التوتر هي المخرج المؤقت، بانتظار تغيّر المعادلات الإقليمية».
أخبار متعلقة :