جاء في “الراي الكويتية”:
رغم الارتياح الخارجي لـ «وحدة المسار والمصير» التي أرساها رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون بين واقع لبنان ومستقبله وما يُرسَم للشرق الأوسط انطلاقاً من «سلام غزة»، فإنّ بيروت بدتْ مُتَهَيِّبةً التحدياتِ التي تعترض شقَّ «ممرٍّ آمِنٍ» يقيها شرَّ أي «شرارةِ» مواجهةٍ داخلية على جبهة سحْب سلاح «حزب الله» وفي الوقت نفسه يجنّب البلاد أن تتحوّل «الحلقة الأخيرة» المانعة اكتمال قوس «الفجر الجديد» للمنطقة وما ينطوي عليه ذلك من مخاطر الحاجة إلى معالجتها على قاعدة «آخِر الدواء… التفجير».
من هنا بات لبنان يَرصد على مَدار الساعة مآلَ اتفاقِ غزة الذي تقود واشنطن ودول الرعاية العربية والغربية، خطوةً خطوةً، مساعي إيصاله إلى «خطّ النهاية»، في ظلّ انكشافِ قضية سلاح «حزب الله» على خطةِ الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول القطاع «المنزوعِ السلاح» كما الدور السياسي لـ «حماس» في حُكْمه، وذلك من ضمن الرؤية الشاملة لـ «عصر ذهبي» في الشرق الأوسط يسود فيه السلام والازدهار وتُرسّم فيه خريطة النفوذ على أنقاضِ عقودِ «التوسّع الإيراني» في ساحاتِ الإقليم حتى المتوسّط.
وبقيتْ في صدارة المشهد اللبناني دعوةُ عون إلى مفاوضاتٍ مع إسرائيل لحلّ المسائل العالقة على أن يتحدّد شكْلًها «في حينه»، وتأكيده أن «بلاد الأرز» لا يمكنها أن «تعاكس مسارَ تسوية الأزمات لإرساء السلام والاستقرار في المنطقة»، وسط اقتناعٍ بأنّ هذه الدعوة التي استحضرتْ المسارَ الذي اعتُمد لبلوغ اتفاق الترسيم البحري مع تل أبيب برعاية أميركية وأممية (خريف 2022) ظَهَّرَتْ قابليةَ بيروت وجاهزيَّتَها للتكيّف مع المتغيرات الجيو – سياسية في الإقليم وإن من دون ضماناتٍ بأن هذا كافٍ لاستبعادِ سيناريو حربٍ جديدة، سواء بفعل حساباتِ «هروبٍ إلى الأمام» لبنيامين نتنياهو من اتفاق غزة التي بدا أنه «اقتيد إليه مخفوراً» من ترامب، أو حسابات خاطئة من «حزب الله» المقيّد بمقتضياتٍ إيرانية في أي خطوات… إلى الوراء.
وفي موازاة الاحتضانِ الأميركي من ترامب نفسه ثم الفرنسي من الرئيس إيمانويل ماكرون لِما يقوم به عون في ملف سحب سلاح الحزب، والذي اعتُبر إشارةً تشجيعٍ على المضيِّ بهذا المَسار وبسرعةٍ تُعَطِّل أي سيناريوهاتٍ تصعيدية إسرائيلية، لن تكون واشنطن بعيدةً عنها في حال أَظْهَر لبنان الرسمي أنه يُناوِر أو نَجَحَ الحزب في تقويض هذه العملية، فإنّ غموضاً لفّ دعوةَ التفاوض التي أطلقها رئيس الجمهورية، وسط إشاراتٍ من قريبين من الأخيرة نقلتْ أن الأولوية حالياً هي لتنفيذ اتفاق 27 تشرين الثاني ووقف إسرائيل اعتداءاتها وانسحابها وإعادة الأسرى وبعدها يُحدَّد إطارالتفاوض حول حلول مستدامة وشكله.
في المقابل، اعتبرتْ أوساطٌ مطلعة أن تل أبيب ربما ستسعى إلى استنساخِ مَسارِ غزة لجعْل التفاوضِ مَدْخَلاً شَرْطياً ومنصةَ ضغطٍ دبلوماسي، في موازاة «الضغط بالنار» المستمرّ يومياً، في اتجاه ضَمانِ نَزْعِ سلاح «حزب الله» وربْطِ الانسحاباتِ ومَراحلها بتفكيكٍ مُلازِمٍ لترسانةِ الحزب وليس الاكتفاء بإستراتيجية سحب الذرائع التي تعتبر أنها لم تكن فعّالة بعد انسحاب العام 2000 ولا في أعقاب مرحلة القرار 1701، ولو اقتضى إطلاق هذا المَسار تسخيناً سيكون هذه المرة «موْصولاً» بأفقٍ سياسي أكثر رسوخاً منه إبان حرب الـ 65 يوماً في 2024.
لقاء رئاسي
وفي الإطار، نقلتْ «وكالة الأنباء المركزية» عن مصادر سياسية مطلعة أن حركة اتصالات تجري بين عون ورئيسيْ الحكومة نواف سلام والبرلمان نبيه بري تتركز على امكان عقد لقاء يجمعهم ويُخصص للبحث في ملف التفاوض الذي أثاره رئيس الجمهورية، يوم الأحد.
خريطة طريق موحدة
وذكرت «ان ملفاً على هذا المستوى من الأهمية لابدّ أن يكون موضع تشاور بين الرؤساء ليحددوا خريطة طريق موحدة تسير البلاد في هديها»، مشيرة إلى «أن الحركة هذه ستتكثف في الأيام القليلة المقبلة لتواكب التحولات الإقليمية ومسار التسويات الذي انضمت إليه غزة، والذي لا يمكن أن يبقى لبنان خارجه كما قال الرئيس عون».
وقد أعلن الوزير السابق مروان شربل بعد لقائه عون، أنه بحث معه «مسألة التفاوض لحل المواضيع الأساسية على غرار ما حصل في ملف ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل الذي تم برعاية أميركية وأممية».
وقال «هذا الموقف يؤسس في رأيي لمرحلة جديدة من العمل لتكريس السيادة الوطنية على كل الأراضي اللبنانية»، مؤكداً «أن لموقف الرئيس عون وقعاً إيجابياً».
«الميكانيزم»
وعلى وهج هذا العنوان، اكتسب الاجتماع الذي عقدتْه «لجنة الإشراف على تطبيق اتفاق وقف النار» في رأس الناقورة أهميةً خاصة، باعتبار أنه الأوّل برئاسة الجنرال الأميركي جوزاف كليرفيلد الذي خَلَفَ مايكل ليني، وغابتْ عنه الموفدة مورغان اورتاغوس (كانت شاركت في اجتماع 7 أيلول) وهو ما عُزي إلى الإقفال الحكومي في الولايات المتحدة، وفي إطار التمهيد لحصْر الملف اللبناني بالسفير الجديد الذي يصل إلى بيروت نهاية الشهر وهو ميشال عيسى (اللبناني الأصل).
وإذ أشار عيسى في كلمة ألقاها خلال حفل استقبال أُقيم في السفارة اللبنانيّة في واشنطن، إلى أنّ «مستقبل لبنان ملك لكلّ مَن يؤمن بانتعاشه واستقلاله ووحدته»، عُلم أن اجتماعَ «الميكانيزم» (يضم ممثلين عسكريين لفرنسا ولبنان وإسرائيل والأمم المتحدة – اليونيفيل) تخلله إثارة الجانب اللبناني قضية الغارات المروعة في المصيلح والتي سدّدت ضربة قاسية لملف إعادة الإعمار وبنيته اللوجستية باعتبارها خرقاً فاضحاً للقرار 1701 واتفاق وقف النار، في مقابل تبرير ممثّل إسرائيل بأن«حزب الله»لم يسلّم سلاحَه بعد وأن بلاده تَحتفظ بحرية الحركة ضدّ أي تهديدٍ، وهو الموقف المعطوف على الرسالة الواضحة من العدوان على المصيلح بأنّ«لا إعمار في كنف السلاح».
جمعية «وتعاونوا»
وفيما نفّذت إسرائيل 3 غارات على بلدة صديقين جنوب لبنان، وذلك بعيد اجتماع لجنة مراقبة وَقْفِ النار، تفاعلت في بيروت قضية إغلاق شركة (Whish Money) حساب جمعية «وتعاونوا» (قريبة من«حزب الله») التي تتولى جَمْع التبرعات لإعادة إعمار المنازل التي دُمرت جراء الحرب الأخيرة وتأمين مراكز تعليم موقتة في القرى الحدودية.
ورغم وضع هذا التدبير في سياق تضييقِ لبنان الرسمي الخناق على «اقتصاد الكاش» وضمانِ الارتقاء إلى معايير مجموعة العمل المالي (FATF) الدولية في مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، اعتبرتْ الجمعية أن«هذا القرار بأتي ضمن سلسلة ممارسات تهدف إلى تعطيل جهود الإعمار ودعم الأهالي»، في الوقت الذي نُقل عن مدير العلاقات العامة والأنشطة فيها جمال شعيب أن «ما قامت به الدولة أخطر ممّا يفعله العدو الإسرائيلي».
فضيحة جوازات السفر
في موازاة ذلك، برزت فضيحة تسريب جوازات سفر لوفود سورية رسمية دخلت لبنان في الأسابيع الماضية، وذلك عبر حسابات موالية للنظام البائد في دمشق وبينها لأعضاء زاروا بيروت عبر معبر المصنع الحدودي تحضيراً لمحطة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني في العاصمة اللبنانية يوم الجمعة الماضي.
وكتبت الناشطة السورية عالية المنصور، وهي من الرموز المعارضة لنظام بشار الأسد، عبر منصة «إكس»: «بالأمس القريب تسربت صور جوازات سفر الوفد السوري الرسمي الذي أتى لبنان بزيارة رسمية، ووُصفوا بأشنع الألفاظ، مَن ختم جوازات السفر وسرب الصور؟ ألا يحتاج الأمر إلى تحقيق، وهل هذه هي العلاقات التي ترغب بها السلطات بين البلدين»؟
وردّ نائب رئيس الحكومة طارق متري المولج الملف اللبناني – السوري على المنشور، وكتب «هذا تصرف غير مقبول، بل مشين. سنطلب من الجهات المعنية التحقيق في الأمر. وسيترتب عليها أن تضع حداً لممارسة كهذه، تسعى إلى التشويش على الزيارة. غير أن العلاقة بين العاملين على تعزيز الثقة بين اللبنانيين والسوريين أقوى من محاولات التشويش والتخريب».
وبعدها كتبت منصور «اليوم تَسربت أسماء المعتقَلين الذين التقوا وزير العدل السوري مظهر الويس والدكتور محمد طه الأحمد المسؤول في الخارجية السورية والوفد المرافق، تسريب مع تحريض على المعتقَلين في وقت يسعى البلدان لطي صفحة التزوير والتحريض. مجدداً مَن المستفيد»؟
وأكد مصدر سوري لجريدة «الأنباء الإلكترونية» التابعة للحزب التقدمي الاشتراكي أن دمشق تنتظر لترى كيف ستتصرّف بيروت مع هذا الأمر، وإذا كانت ستفتح تحقيقاً جدياً بحادثة تسريب صور جوازات السفر.
أخبار متعلقة :