موقع دعم الإخباري

أمن الدولة: دور جديد وخطوات لرتق إرث ثقيل

كتب سامر زريق في “نداء الوطن”:

أدار رئيس الجمهورية جوزاف عون عملية تنظيم المؤسسات الأمنية والعسكرية وتعيين قادتها منتصف آذار الماضي، وفق فلسفة بسيطة ترتكز على الحد من التنافس التاريخي والمزمن في ما بينها، في موازاة التخفف من البيروقراطية، وتعدد المرجعيات السياسية التي اعتاد البعض أن يلوذ بها، والتوظيف الأمثل للموارد ضمن الإمكانات المتاحة بشريًا وتقنيًا لتحصيل إنتاجية أفضل تصب في خانة تدعيم مسار نهوض الدولة وتفعيل أداء مؤسساتها.

خارطة الطريق الرئاسية التي رسمت بالتنسيق مع رئيس الحكومة نواف سلام، ضمن عملية تبادل أدوار منظمة تزيد من فعالية سياسات السلطة الإجرائية وقراراتها، أعادت ترتيب أدوار وأوراق الأجهزة الأمنية، ومنها أمن الدولة، المؤسسة التي تعرضت صورتها إلى تهشيم هائل في الحقبة السابقة، نتيجة نهج حوّلها إلى ما يشبه المتجر المفتوح لبعض الأطراف السياسية، وجعلها بمثابة حمل زائد على الدولة، ومضرب مثل في تركيب الملفات وخرق القوانين والانضباط العسكري المعروف.

هذه العوامل أسهمت في بناء إرث سلبي للمؤسسة في الذاكرة الجمعية، ضاعف من حجم الضغوط على جهاز بدا في كثير من الأوقات وكأنه يبحث عن دور وسط تنافس حاد مع مؤسسات أمنية واستخباراتية لديها زاد بشري وتقني ومالي أعلى بكثير، ويشكل كل واحد منها منصة للتفاخر والتبارز بين الطوائف والمذاهب.

زكّى رئيس الجمهورية تعيين اللواء إدغار لاوندوس على رأس أمن الدولة، ومنحه غطاء سياسيًا لإصلاح الجهاز وإجراء تحول نوعي في دوره وأدائه، من أجل تركيز موارده المحدودة بشكل أساسي في مكافحة الفساد المتأصل في عمق مؤسسات الدولة. منذ لحظة تسلمه مهماته عمد لاوندوس إلى إعادة فرض الالتزام بالنظام والانضباط العسكري، والتخلص من ظواهر التفلت التي كانت سمة طاغية جعلت العناصر والضباط أقرب إلى الصورة المطبوعة في أذهان اللبنانيين والعرب عن الجيش السوري في عهد نظام بشار الأسد.

وبعدما أجرى مناقلات في مراكز قيادية داخل المؤسسة، عمل على إعادة تدوير الموارد المتاحة ومواجهة النقص في العديد من خلال تطبيق القانون الذي يمنع أمن الدولة من تأجير الخدمات كما كان يحصل سابقًا، بالإضافة إلى سحب عناصر من بعض النواب والقضاة بما يتسق مع النصوص القانونية.وذلك بالتوازي مع بدء تنفيذ خطة العمل المنسقة مع رئاستي الجمهورية والحكومة، من ناحية تخصيص الجهاز لمتابعة قضايا ذات طابع حساس، تتداخل ما بين الفساد في الوزارات والإدارات الرسمية واستخدام النفوذ لخلق هياكل موازية تنتقص من الشرعية، والتكامل مع عمل الأجهزة الأمنية من خلال التبادل السريع للمعلومات، وخصوصًا في مسألة مكافحة تصنيع وتجارة المخدرات التي تحولت إلى سياسة دولة تحظى باهتمام إقليمي ودولي لمواجهة أداة سياسية – مالية مشتركة ما بين نظام بشار الأسد ومشروع عابر للكيانات الوطنية.

خلال أشهر قليلة تمكنت مؤسسة أمن الدولة، وبدعم مباشر من رئيس الجمهورية، من تسجيل بعض الخطوات اللافتة. الأمر الذي شكل رسالة حازمة حول جدية الدولة في صراعها مع مراكز قوى موازية، ولا سيما مع الرقابة والضغط المستمرين على كارتيل أصحاب المولدات إنفاذًا لقرارات السلطة السياسية، زد عليها مسألة مؤسسات التحويل المالية الشائكة والتي هي قيد المتابعة

ومع ذلك، فإن العناصر والضباط لا يزالون هم أنفسهم، إنما الفارق يكمن في مركز القرار الذي يفرض رقابة داخلية تجبه محاولات التفلت التي لا تنتهي، والتي تعبر عن ثقافة استعلائية ترسخت على وقع الوصايات.

فبعد أن نفذ أمن الدولة عملية قادت إلى اعتقال ضابط سابق في الجيش على خلفية مسألة قانونية، تكشف لإدارة الجهاز أن الضابط المسؤول في المنطقة خالف القانون وتدخل لدى القضاء من أجل إبقاء ضابط الجيش السابق قيد الاعتقال، فضلًا عن ورود شكاوى إلى رئيس الجمهورية من عدة أطراف، بينها مراجع سياسية ودينية وقانونية، حول الأمر عينه وقيام الضابط نفسه بسلوكيات لا تتسق مع قيم الدولة وثقافة المحاسبة.

وهذا ما دفع بإدارة أمن الدولة إلى فتح تحقيق بشأنه قاد إلى اتخاذ قرار بإزاحته من منصبه، على الرغم من أنه لم يمضِ على تشكيله إلى منصبه الجديد سوى أشهر معدودة، ليكون هذا القرار بمثابة رسالة رقابية حازمة للجميع بأن ما من أحد فوق المساءلة. ما سبق يشكل خطوات ضرورية وجدية ضمن عملية تراكمية طويلة الأمد تسعى لرتق إرث ثقيل، ومحو صورة كارثية التصقت بالمخيال العام.

أخبار متعلقة :