كتبت أورور كرم في “نداء الوطن”:
من يراقب سلوك حامل السلاح في لبنان، أي “حزب اللّه”، يلاحظ أنه غير مكترث بتاتًا لمصلحة الشعب اللبناني، بما يعكس تمامًا سلوك صاحب السلاح، أي الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وطريقة تعاطيها مع شعبها. فعلى الرغم من أنّ “حرب الـ 12 يومًا” أظهرت أكبر انكشاف أمنيّ لدولة في تاريخ الحروب الحديثة وثبّتت تفوّقًا عسكريًا وتكنولوجيًا إسرائيليًا على إيران وألحقت بها ضررًا كبيرًا، لا تزال طهران تنتهج السلوك المعادي نفسه، معيدة استنهاض لغة الحرب والتهديد والوعيد. كما أنها تتوعّد أيضًا بردّ مناسب على تفعيل دول الترويكا، أي فرنسا وألمانيا وبريطانيا، آلية “سناب باك”. آلية تتمثل بإعادة فرض كلّ العقوبات الأممية على إيران دفعة واحدة على القطاعات النووية والصاروخية والمالية، والتي رُفعت بموجب اتفاق JCPOA عام 2015 مقابل فرض قيود على البرنامج النووي الإيراني.
لكنّ إيران المتعنّتة، ورغم فداحة خسارتها البشرية والمادية، البشرية أوّلًا عبر اغتيال الغالبية الساحقة لعلمائها النوويين وطواقمهم، والمادية ثانيًا بحيث إن القصف الأميركي والإسرائيلي ألحق دمارًا هائلًا لمواقعها النووية الأساسية الثلاثة، وذلك بحسب اعتراف القادة الإيرانيين أنفسهم. وعلى الرغم من أن اليورانيوم الذي خصّبته عبر السنوات الماضية أصبح في أفضل الحالات مدفونًا تحت الأرض، إيران المتعنّتة تلك، تواصل تمسّكها بحقها في تخصيب اليورانيوم غير مكترثة بحال الشعب الإيراني الذي يعاني من شحّ المياه وضعف الإنترنت ونقص ساعات التغذية في الطاقة الكهربائية والانهيار الاقتصادي.
في الواقع، فإن نظام الملالي لا يعير أية أهمية إلى واقع أحواله الداخلية. فالشعب الإيراني منهك، وأكبر الدلائل على ذلك هو لجوء البرلمان الإيراني أخيرًا إلى إزالة أربعة أصفار من العملة بسبب تراجع قيمتها، في محاولة منه لتقليص التضخم. كما أن النظام المصرفي الإيراني يواجه تحدّيات كبيرة بسبب العقوبات الدولية وانقطاعه عن الشبكات المالية العالمية. كذلك، ساهم الفساد وإساءة الإدارة الاقتصادية في تفاقم الأوضاع وعدم استقرار السوق. وفقد الريال أكثر من 90 في المئة من قيمته منذ إعادة فرض العقوبات الأميركية في عام 2018. ناهيك بأن أحدث البيانات تُظهر أنّ معدّل التضخم السنوي بلغ 38.7 في المئة في أيار 2025.
كما أن الشعب الإيراني يرزح تحت وطأة أزمة حادّة في قطاع الطاقة، تكاد تفوق أزمة الطاقة التي يعيشها اللبنانيون بأشواط. فالنظام الإيراني كان وعد بمعالجة مشكلة عدم التوازن في الكهرباء بحلول آذار الفائت، من خلال بناء محطات توليد وزيادة القدرة الإنتاجية، وعود عاش على آمالها قبلهم اللبنانيون بكلّ طوائفهم في كافة أنحاء بلاد الأرز، لكن كما حصل مع وكلائهم في لبنان، كذلك في إيران، لم يتمّ تشغيل جزء كبير من المشاريع الموعودة، بل ارتفع عجز التوازن. وبدلًا من إصلاح البنية التحتية أو تطويرها، وجدت السلطة الحلّ في تقاسم المعاناة. معاناة تُفرض من خلال انقطاع الكهرباء في شكل متكرّر، حتى وصل الأمر إلى إجبار الإيرانيين على خفض استهلاكهم الصناعي إلى 50 في المئة وحتى إلى 80 في المئة في نواحٍ محدّدة.
ولكنّ انقطاع التيار الكهربائي لا يطول فقط المصانع والمنازل ولا تقتصر المعاناة على الماديات أو مجرّد ساعات من الظلام، إذ إنّ انقطاع الكهرباء يجرّ إلى تبعات أخرى، أبرزها فساد الأدوية في الثلّاجات، وتعرّض حياة مرضى الغسيل الكلوي الموصولة أجهزتهم للخطر، واللائحة تطول وتطول.
وكما في لبنان، كذلك في إيران، حيث إن الشعب الإيراني أيضًا منهك بسبب شحّ المياه. الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان أكد خلال مقابلة متلفزة منذ بضعة أيام، أنّ الجمهورية الإسلامية تعاني من نقص حادّ في المياه والغاز والكهرباء. لقد فرضت السلطات على الإيرانيين خفض استهلاك المياه حتى وصل الأمر إلى الإعلان عن عطلة رسمية في أكثر من 10 محافظات كإجراء لإدارة استهلاك المياه والكهرباء. فموارد العاصمة الإيرانية المائية تأثرت بشكل كبير من جرّاء سوء إدارة القطاع، أضف إليها موجات الجفاف المتواصلة منذ خمس سنوات، وانخفاض المتساقطات من أمطار وثلوج وغيرها، مسجّلة أدنى مستوى لها منذ 60 عامًا، ما دفع السلطات إلى المطالبة بخفض الاستهلاك بنسبة 20 في المئة وتجنّب الاستعمالات غير الضرورية واستخدام أدوات لتقليل استهلاك المياه.
كلّ هذه الأزمات تنعكس غضبًا في قلوب الإيرانيين ونفوسهم، كما أنها انتقلت أو قد تنتقل من مستوى الأزمة البيئية مثلًا، إلى تحدّ اقتصادي واجتماعي وسياسي وأمني.
ورغم كلّ ما وثّقناه أعلاه وما يختبره الشعب الإيراني على مدار الساعة، نكاد لا نسمع أي كلام أو مطالبة أو نقرأ مقالًا، ولا نرى أي سعي حثيث من قِبل أيّ من مسؤولي النظام، لمعالجة مآسي الإيرانيين، بل نرى تهديدًا ووعيدًا يبدآن من قهر الحكومات الغربية ولا ينتهيان بدحر الجيوش الأميركية والأوروبّية، والخطابات الممانعة التي يستوحي منها وكلاؤهم في لبنان والمنطقة، لمتابعة سرديّتهم المقاومتية والمواجهتية، والتي أثبتت التجارب منذ نجاح الثورة الإسلامية عام 1979 إلى يومنا هذا، أن إيران لا يمكنها أن تقدّم سوى خطاب الحرب الذي أصبح مخلوعًا عن الواقع، وأنها غير آبهة بمصلحة شعبها، وهي مستمرّة بتعنّتها رغم الضربات الأميركية – الإسرائيلية الموجعة، ورغم إعادة تفعيل آلية “سناب باك” التي أصبحت حتمية.
وبالتالي، كيف لنظام لا يأبه حتى لمصالح شعبه أن يأبه هو أو وكلاؤه لمصلحة الشعب اللبناني البعيد من إيران مئات الأميال؟
أخبار متعلقة :