كتبت كارولين عاكوم في “الشرق الأوسط”:
عاشت مناطق لبنانية عدة في الساعات الأخيرة كارثة بيئية بكل ما للكلمة من معنى، مع اشتعال الحرائق، من الشمال إلى الجبل والجنوب، حيث تستكمل أيضاً إسرائيل القضاء على ما تبقى من المساحات الخضراء التي قضت عليها خلال الحرب الأخيرة، لا سيما في ظل الظروف المناخية وسرعة الرياح التي أدت إلى توسّع رقعة النيران وصعّبت مهمّة إخمادها على فرق الإطفاء.
ومنذ بعد ظهر الاثنين، بدأت الحرائق تشتعل وتتوسع في مناطق في الشمال وفي إقليم الخروب (جبل لبنان) والجنوب، لا سيما في أحراج الصنوبر والسنديان والزيتون في بلدتي العيشية والجرمق في قضاء جزين، التي تسببت بها الغارات الجوية الإسرائيلية التي تعرضت لها المنطقة، الاثنين.
وامتدت النيران إلى أحراج الجبل الرفيع وجبل الريحان في إقليم التفاح (قضاء النبطية)، وأتت على مساحات كبيرة من غابات الصنوبر في أضخم حريق تشهده المنطقة امتد لكيلومترات، وقضى على أهم ثروة حرجية تحتوي آلاف أشجار الصنوبر والبلوط والزيتون.
وواجهت فرق الدفاع المدني صعوبات كبيرة في السيطرة على الحريق بسبب وعورة المنطقة، ووجود أجسام مشبوهة غير منفجرة من مخلفات الحرب.
وبعد ساعات من الحريق الذي تسببت فيه محلقات إسرائيلية ألقت موادّ حارقة على المنطقة، بحسب «الوكالة الوطنية للإعلام»، تمكنت فرق الدفاع المدني من إخمادها في ثلاثة أحراج بين بلدات رومين وعزة وأركي، وأتت على مساحات واسعة من أشجار البلوط والملول والأشجار المثمرة.
إقليم الخروب
وفي إقليم الخروب، تشتعل النيران لساعات وانتشرت بسرعة كبيرة في خراج بلدات الزعرورية والمطلة والجليلية (الشوف)، حيث لم تفلح جهود الدفاع المدني لإخمادها طوال ساعات الليل بسبب وعورة المنطقة وشدة الرياح، التي تتسبب في اتساع رقعة الحريق التي وصلت إلى المنازل.
فيما نجحت الجهود في إخماد الحريق في بلدة شحيم، بمشاركة طوافة للجيش وسط استنفار أمني وبلدي وشبابي.
وأفادت دائرة الإعلام والعلاقات العامة في الدفاع المدني في بيان، بأن «الفرق تمكنت من إخماد الحرائق التي اندلعت في مناطق في الشمال وجبل لبنان والجنوب»، مشيرة إلى أن «العناصر استخدموا آليات الإطفاء والوسائل اليدوية، وعملوا على تطويق النيران ومنع امتدادها إلى المنازل والأراضي الزراعية، إلى أن تمت السيطرة عليها بالكامل، فيما دخلت كل هذه الحرائق مرحلة التبريد لضمان عدم تجددها».
وأوضحت أن «الحريق الوحيد الذي كان لا يزال مستمراً، هو الذي امتد على مساحة واسعة بين بلدات شحيم والمطلة وداريا في إقليم الخروب، إضافة إلى بؤر متجددة في وادي جهنم، حيث تواصل فرق الدفاع المدني جهودها الحثيثة لإخماده».
إبادة بيئية في الجنوب
وتحدثت وزيرة البيئة تمارا الزين عن أسباب الحرائق، مؤكدة أن لا حرائق تنشب دون تدخّل بشري، سواء كان متعمّداً أو غير متعمّد. وكتبت على حسابها على «فيسبوك» أنه «في جنوب لبنان تحديداً، أحرق العدو ما يزيد على 8700 هكتار من الأراضي الزراعية والحرجية، والبارحة (الاثنين) أيضا استكمل الجريمة البيئية عبر إلقاء أجسام حارقة في العديد من الأحراج مما زاد من حجم الكارثة»، متحدثة عن «إبادة بيئية على أيدي العدو».
وأكدت الزين ضرورة دعم الدفاع المدني الذين يعملون باللحم الحي على جميع المستويات، لافتة إلى أنه «يحصل أن تعجز فرق التدخل عن الحد سريعاً من النيران، تماماً كما حصل في كاليفورنيا وإيطاليا وفرنسا».
وبينما أشارت إلى عمل وزارة الزراعة على «أنظمة تخزين للمياه في المناطق المعرّضة للحرائق»، أكدت أن «الجهد الأكبر، خاصة في ظل ضعف الإمكانات المادية واللوجيستية، هو عبر الوقاية وتأسيس أنظمة الإنذار المبكر غير الموجودة حالياً».
نتائج مشروع الحد من الحرائق بعد ثلاث سنوات
وقالت الزين: «منذ أشهر قليلة أطلقنا مشروع الحد من حرائق الغابات في السراي الكبير وهو مشروع متواضع لا يغطي سوى ثلاث بقع صغيرة تشهد حرائق متكررة ولن تبرز مخرجاته المحدودة إلا عند انتهائه بعد ثلاث سنوات، وفيه تأسيس لأنظمة إنذار بالتعاون مع اتحادات البلديات المعنية، وفيه أيضاً بعض التجهيزات لفرق التدخل والاستجابة. هذا المشروع هو عيّنة ميكروسكوبية عن حاجات البلد الفعلية التي تصل إلى مئات الملايين من الدولارات ما بين أنظمة إنذار مبكر ومعدات للاستجابة والتدخل وعمليات تأهيل».
وكانت وزارتا البيئة والزراعة أطلقتا في يوليو (تموز) الماضي الحملة الوطنية تحت عنوان «ما تلعب بالنار»، وقال وزير الزراعة نزال هاني إن «الحملة تقوم على تنظيف الأحراج، وإنشاء شبكات إنذار مبكر، وتطبيق القوانين بحق المخالفين، وتعزيز دور البلديات».
وقدّمت حينها الزين أرقاماً أظهرت ارتفاع عدد الحرائق من 4264 في 2023 إلى 6365 في 2024، محذرة من «شح المتساقطات» وتداعياته على الزراعة والبيئة والسياحة.
ياسين: أين مشروع الـ3.5 مليون دولار؟
ويلفت وزير البيئة السابق، ناصر ياسين، إلى ثلاثة عوامل أساسية تؤدي إلى اندلاع الحرائق في لبنان، وهي الشرارة الأولى التي يكون سببها الأساسي الإهمال والظروف المناخية، إضافة إلى ضعف الجاهزية المرتبطة بفرق الإطفاء، مشيراً إلى أن هذا الإهمال في معظمه يكون مفتعلاً.
واليوم وفي ظل انتشار الحرائق في هذه المناطق تحديداً، يشير ياسين في حديثه مع «الشرق الأوسط»، إلى هبة مادية من البنك الدولي كان قد وقّع عليها قبل مدة قصيرة من انتهاء ولاية الحكومة الماضية، وتقدر بـنحو 3.5 مليون دولار، «لكن يبدو أن خطواتها العملية لم تنطلق وصرف أموالها لم يبدأ بعد لأسباب غير معروفة، علماً أن المناطق التي اندلعت فيها الحرائق تقع ضمن المشروع»، وهو ما تحدث عنه أيضاً الخبير البيئي، أنطونيو معيكي، في بيان له، لكن في المقابل تعذّر الحصول على إجابة عن هذا الأمر من وزيرة البيئة، تمارا الزين.
ويتحدث ياسين لـ«الشرق الأوسط» عن خطة كانت قد عمل عليها خلال توليه الوزارة بين عامي 20022 و 2024، أدت إلى تراجع نسبة المساحات المحترقة بشكل كبير، حيث سجّل عام 2022 تراجعها بنسبة 91 في المائة، وعام 2023 بنسبة 86 في المائة، بينما للأسف كان سبب معظم الحرائق التي سجّلت عام 2024 القصف الإسرائيلي ورمي الفوسفور لأهداف معروفة.
وبينما يشدد ياسين على الظروف المناخية القاسية هذا العام، التي أدت بشكل كبير إلى توسع رقعة الحرائق، يلفت إلى أن نجاح وزارته خلال الأعوام الماضية بتقليص المساحات المحترقة هو العمل المحلي والمجتمعي، وتحديداً مع البلديات والجمعيات المحلية، والأهم عبر إنشاء داتا تضم أسماء أكثر البلدات عرضة للحرائق، حيث تم تركيز العمل عليها، وهي مناطق، عكار، الضنية، المتن الأعلى، بعبدا، إقليم الخروب، وذلك انطلاقاً من مبدأين أساسيين، هما؛ الرصد المبكر والتحرك السريع، رغم الإمكانات المادية المحدودة.




