بعد إتفاق غزة.. هل تقترب الحرب على لبنان؟

بعد إتفاق غزة.. هل تقترب الحرب على لبنان؟
بعد إتفاق غزة.. هل تقترب الحرب على لبنان؟

كتب زياد عيتاني في “اللواء”:

بعد عامين من الحرب المدمّرة في غزة التي انتهت مؤخراً باتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، عاد المشهد الإقليمي ليضع لبنان في قلب العاصفة مجدّداً. فمع تراجع هدير المدافع في الجنوب الفلسطيني، ارتفعت وتيرة القلق على الجبهة الشمالية لإسرائيل، حيث تتقاطع خطوط النار والسياسة والمصالح الدولية فوق أرض لبنان المنهكة.

منذ توقيع اتفاق وقف النار في تشرين الثاني 2024 بين إسرائيل وحزب الله، والذي أنهى ثلاثة عشر شهراً من القتال، لم تنجح الهدنة في تثبيت استقرار فعلي. فالغارات الإسرائيلية شبه اليومية على الجنوب اللبناني، وتصاعد التوتر الميداني، أعادا البلاد إلى مربع الخطر، في وقتٍ تواجه فيه بيروت ضغوطاً أميركية ودولية متزايدة لنزع سلاح حزب الله وإعادة سلطة الدولة على كامل أراضيها.

لكن المعادلة اللبنانية شديدة التعقيد: دولة عاجزة، حزب مسلّح يعتبر نفسه حامي الحدود، وجيش محدود القدرات عالق بين القرار السياسي والانهيار الاقتصادي.

• هدنة معلّقة على حافة الانفجار

رحّب الرئيس اللبناني جوزاف عون باتفاق الهدنة في غزة، ودعا المجتمع الدولي إلى الضغط على إسرائيل لوقف اعتداءاتها على لبنان والالتزام بالقرارات الدولية. لكن إسرائيل، التي لا ترى مصلحتها في هدوء طويل الأمد، واصلت غاراتها محدودة النطاق داخل الأراضي اللبنانية بذريعة ضرب أهداف للحزب، في حين تؤكد التقارير اللبنانية أن معظمها يستهدف بنى مدنية ومناطق زراعية.
وبينما تصرّ تل أبيب على الاحتفاظ بخمس تلال داخل الحدود اللبنانية «لأسباب استراتيجية»، يرى مراقبون أن الهدف الحقيقي سياسي بامتياز، أي إبقاء لبنان في دائرة الضغط والتذكير الدائم بأن سلاح حزب الله يشكّل ذريعة جاهزة لتجديد الحرب متى شاءت إسرائيل.
على الجهة المقابلة، يلتزم حزب الله ما يسميه سياسة «الصبر الاستراتيجي». الحزب يدرك أن أي تصعيدا واسعا قد يفتح الباب أمام حرب شاملة لا يريدها أحد، لكنه في الوقت نفسه لا يستطيع التراجع عن دوره كمقاومة من دون أن يخسر جزءاً أساسياً من شرعيته السياسية والشعبية. وهكذا، يتأرجح الجنوب بين الهدوء الحذر والانفجار المؤجل.

• نزع السلاح.. معركة الدولة المستحيلة

منذ بداية الشهر، بدأ الجيش اللبناني تنفيذ خطوات محدودة لإزالة بعض المظاهر العسكرية في منطقة جنوب الليطاني، تطبيقاً للقرار 1701، وبالتنسيق مع قوات «اليونيفيل». لكن العملية تواجه عراقيل متعددة: ضعف التمويل، نقص المعدات، وتراجع الرواتب الذي أصاب المؤسسة العسكرية في الصميم.
الجيش الذي يُفترض أن يكون صمام أمان البلاد يجد نفسه أمام مهمة تفوق طاقته، في وقتٍ ينهار فيه الاقتصاد ويهاجر آلاف العسكريين بحثاً عن دخل بديل. ومع استمرار الاحتلال الإسرائيلي لأجزاء من الجنوب، يصبح الحديث عن «نزع سلاح المقاومة» في ظل هذا الواقع أقرب إلى التمنّي منه إلى التنفيذ.
في هذا الوقت تضغط واشنطن لتطبيق القرار الدولي حرفياً، لكنها تتجاهل في الوقت ذاته الغارات الإسرائيلية اليومية، ما يجعل المطالب الأميركية تبدو منحازة وغير واقعية في نظر اللبنانيين.
أما الحكومة، فتقف عاجزة بين سندان الضغوط الدولية ومطرقة الانقسام الداخلي، حيث لا تجرؤ على مواجهة الحزب ولا تستطيع مجاراة المجتمع الدولي في مطالبه.

• حزب الله: سلاح العقيدة والهوية

في المقابل، يتمسّك حزب الله بسلاحه باعتباره «عنصر وجود» لا ورقة تفاوض. فالحزب يرى أن نزع سلاحه قبل التوصل إلى استراتيجية دفاع وطنية شاملة هو خيانة لتضحيات آلاف المقاتلين، وتفريط بحق الجنوب في الردع.
وليس خافياً أن هذا السلاح يتجاوز البُعد العسكري إلى كونه شبكة نفوذ اجتماعي واقتصادي وسياسي متجذّرة في البيئة الشيعية اللبنانية، حيث يرتبط عشرات آلاف اللبنانيين بمؤسسات الحزب الخدمية والتعليمية والصحية.
لكن في الداخل اللبناني، تتعدّى المسألة حدود الجغرافيا والسياسة، لتصل إلى عمق الهوية الطائفية والانقسام الوطني. فبينما يرى قسم من اللبنانيين في الحزب قوة دفاع وطنية، يعتبره آخرون دولة داخل الدولة تعرقل قيام نظام سياسي مستقل. هذه الازدواجية في الوعي الجمعي اللبناني تجعل أي حوار حول «الاستراتيجية الدفاعية» ينتهي غالباً إلى طريق مسدود.

• إسرائيل.. استراتيجية الضغط بالنار

من جهتها، تدير إسرائيل علاقتها مع لبنان بمنطق «الردع بالنار». لكن هذه السياسة لا تخلو من مخاطر، إذ قد تؤدي غارة واحدة غير محسوبة إلى اشتعال مواجهة واسعة.
تل أبيب تدرك أن الحرب مع لبنان لن تكون نزهة، إذ أن حزب الله ما يزال يمتلك ترسانة صاروخية ضخمة قادرة على إصابة العمق الإسرائيلي بدقّة، والجيش الإسرائيلي، رغم تفوّقه، يخشى معركة استنزاف طويلة، تكون كلفتها على كل الصعد مكلفة.
ورغم أن إسرائيل لا تريد حرباً شاملة، فإنها لا تمانع في إبقاء التوتر قائماً كورقة ضغط سياسية. فوجود جبهة شمالية ملتهبة يمنحها حججاً إضافية أمام واشنطن لطلب الدعم العسكري، ويضعف في الوقت ذاته أي محاولة لبنانية لبناء توازن مستقر.

• لبنان في قلب الصراع الإقليمي

لا يمكن قراءة المشهد اللبناني بمعزل عن المواجهة الكبرى بين واشنطن وطهران.
فالولايات المتحدة ترى في نزع سلاح حزب الله مدخلاً لإضعاف النفوذ الإيراني في المشرق، في حين تعتبره إيران درعاً متقدماً في خط الدفاع عن مصالحها.
وبين الطرفين، يجد لبنان نفسه ساحة لتصفية الحسابات، يدفع ثمنها اقتصاده وشعبه وبنيته السياسية الهشّة.
الواقع أن معظم الأطراف الدولية تتعامل مع لبنان اليوم كملف أمني لا كدولة ذات سيادة. فرنسا تحاول التوسط، الولايات المتحدة تمارس الضغط، إيران تلوّح بالتصعيد، وإسرائيل تختبر حدود الردع يومياً. أمّا الداخل اللبناني، فيغرق في تداعيات انقسام السلطة.

• الحرب.. احتمال قائم

في ظل هذا المشهد، يبدو أن الحرب ليست قراراً متخذاً بعد، لكنها احتمال قائم بقوة. فالتوازن القائم بين الردع والتهديد هشّ للغاية؛ يكفي خطأ تكتيكي أو عملية حدودية غير محسوبة لإشعال مواجهة واسعة قد تمتد إلى سوريا وغزة وربما تتدحرج إلى مواجهة إقليمية.
ومع ذلك، يدرك كل من إسرائيل وحزب الله أن كلفة الحرب ستكون فادحة: دمار شامل في لبنان، شلل اقتصادي في إسرائيل، واهتزاز في التوازن الإقليمي. لذا، يظل الطرفان يرقصان على حافة النار، يسعيان إلى فرض قواعد اشتباك جديدة دون عبور الخط الأحمر.

• حتمية اللاحسم

لبنان اليوم يقف عند مفترق طرق خطير. الدولة تحاول استعادة سيادتها المنقوصة، والحزب يتمسّك بسلاحه بوصفه ضمانة وجود، والجيش يقاتل بأدوات محدودة في معركة تفوق قدراته. وبين هذه القوى المتداخلة، يتحرك المجتمع اللبناني بخوفٍ ويأسٍ على إيقاع الانهيار الاقتصادي والفراغ السياسي.
قد لا تكون الحرب بين لبنان وإسرائيل حتمية في اللحظة الراهنة، لكنها أيضا ليست مستبعدة.
فحين يتعذّر الحلّ السياسي، وتتعطل المؤسسات، وتستمر الغارات والضغوط، يصبح الانفجار احتمالاً طبيعياً.
الحروب في هذه المنطقة لا تبدأ حين تُتخذ قراراتها، بل حين يعجز الجميع عن منعها.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق مخاوف من خطة إسرائيلية لإفراغ الجنوب وخنقه اقتصاديًا
التالى نائب مقرب من عون على خط حارة حريك