بينما يشهد العالم سباقًا محمومًا نحو تطوير الحوسبة الكمّية بما تحمله من قدرات خارقة على معالجة البيانات، تلوح في الأفق تحديات غير مسبوقة للأمن السيبراني، إذ يمكن للحاسوب الكمّي أن يخترق أعتى أنظمة التشفير الحالية.
واستجابةً لهذا التحدي، أطلقت مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية (كاكست)، تحالف الشبكة الكمّية السعودية (SQN)، وهي مبادرة وطنية غير مسبوقة، تجمع بين نخبة من الجهات الحكومية والشركات التقنية المحلية والعالمية، لتأسيس جيل جديد من الاتصالات الآمنة المبنية على تقنيات الكم، وتعزيز موقع المملكة كمركز عالمي في الأمن السيبراني والتقنيات المتقدمة.
تحالف وطني برؤية عالمية:
يضم التحالف شركاء إستراتيجيين من كبرى الشركات الرائدة في مجالات التقنية والاتصالات، مثل: شركة سيبراني (إحدى شركات أرامكو الرقمية)، وشركة سلام، ومايكروسوفت، وسيسكو، إلى جانب الشبكة السعودية للبحث والابتكار (شبكة معين) التابعة لكاكست.
ويهدف هذا التحالف إلى بناء منظومة وطنية متكاملة للاتصالات الكمّية، تتيح نقل البيانات بطريقة فائقة الأمان باستخدام المبادئ الفيزيائية للكم، بما يحد من مخاطر الاختراقات الإلكترونية ويؤسس لبنية تحتية رقمية يصعب اختراقها أو التلاعب بها.
الأهمية الإستراتيجية والأهداف المحورية:
تهدف مبادرة (تحالف الشبكة الكمّية السعودية) إلى تحقيق ما يلي:
- الريادة في الاتصالات الكمية: تمكين المملكة من تحقيق الريادة في أبحاث وتطبيقات الاتصالات الكمّية، وهي تقنيات تستخدم مبادئ ميكانيكا الكم لتأمين نقل البيانات، وتُعدّ حلًا لمقاومة أكثر التهديدات السيبرانية تقدمًا.
 - تعزيز الأمن السيبراني: يهدف التحالف إلى تعزيز أمن البيانات والاتصالات في المملكة، ويشمل ذلك حماية البنية التحتية الحيوية، والبيانات الحكومية، والاتصالات المالية والتجارية ضد أي محاولات اختراق كمّية محتملة، مما يرسخ الثقة بالاقتصاد الرقمي السعودي.
 - بناء القدرات الوطنية: يُعدّ هذا التحالف، بمشاركة فاعلة من الشبكة السعودية للبحث والابتكار (شبكة معين) التابعة لكاكست، ترجمة عملية وواضحة لجهود دعم مستهدفات رؤية 2030. إذ تتمثل مهمته في بناء مستقبل الاتصالات الكمّية في المملكة من خلال تطوير تطبيقات تجريبية متقدمة ضمن البيئات الواقعية، وربطها بنحو فعال بشبكات البحث والتعليم الوطنية (NRENs)، مما يعزز القدرات والخبرات الوطنية في هذا المجال المستقبلي.
 - دعم رؤية 2030: تجسد هذه المبادرة نموذجًا وطنيًا للتعاون بين الحكومة والقطاع الخاص، ويسهم في تعزيز القدرات والخبرات السعودية في واحدة من أكثر المجالات التقنية تعقيدًا وتقدمًا، وتأتي ضمن الجهود الداعمة لمستهدفات رؤية السعودية 2030، التي تضع الابتكار، والبحث، والتطوير في قلب إستراتيجيتها للتحول الاقتصادي والمعرفي.
 
مركز إقليمي للابتكار الكمّي:
يأتي تدشين هذه المبادرة ضمن فعاليات اليوم العالمي للإنترنت في كاكست، في دلالة رمزية على توجه المملكة نحو بناء إنترنت أكثر أمانًا واستدامة. ومع انخراط كبرى الشركات العالمية في هذا المشروع، تتجه السعودية لترسيخ موقعها كمركز إقليمي لبحوث الكم وتطبيقاته التجارية والصناعية.
ومن المتوقع أن يسهم هذا التحالف في تحفيز استثمارات جديدة في مجالات الأمن السيبراني والحوسبة الكمّية والذكاء الاصطناعي، وأن يفتح آفاقًا للتعاون الدولي في البحوث المتقدمة والتقنيات الدفاعية الرقمية.
التأثير المتوقع على المملكة:
لا يُنظر إلى إطلاق تحالف الشبكة الكمية السعودية على أنه مجرد مشروع بحثي، بل هو استثمار استباقي في البنية التحتية الأمنية للغد، ومن المتوقع أن يكون له تأثير عميق ومتعدد الأوجه على المشهد التقني والاقتصادي والأمني في المملكة، ويشمل ذلك:
1- تعزيز الأمن القومي للبيانات:
تُمثل الاتصالات الكمّية، وخاصة تقنية توزيع المفاتيح الكمية (QKD)، نقلة نوعية في مفهوم التشفير والأمن السيبراني، فهي توفر مستوى من الحماية لا يمكن اختراقه نظريًا باستخدام أقوى الحواسيب الكلاسيكية وحتى الحواسيب الكمّية المستقبلية، وباعتماد هذه التقنية، يمكن تأمين البيانات الحكومية والأنظمة الحساسة بأعلى درجات الأمان، مما يعزز السيادة الرقمية للمملكة وحصانتها المعلوماتية في عصر تتسارع فيه المخاطر الرقمية.
2- بناء اقتصاد المعرفة:
يمثل تأسيس البنية التحتية للاتصالات الكمّية خطوة محورية نحو ترسيخ اقتصاد المعرفة في المملكة، إذ يعزز من جاذبيتها كوجهة عالمية للبحث والتطوير والابتكار في مجال تقنيات الكمّ المتقدمة. كما يفتح آفاقًا جديدة لفرص العمل المتخصصة، ويدعم جهود تنويع الاقتصاد الوطني عبر بناء قطاع تقني عالي القيمة يُسهم في تحقيق مستهدفات رؤية السعودية 2030.
3- الربط البحثي العالمي:
يُعدّ ربط تطبيقات الشبكة الكمّية بشبكات البحث والتعليم الوطنية (NRENs) خطوة إستراتيجية نحو تعزيز منظومة البحث والتطوير والابتكار في المملكة. إذ سيمكن هذا التكامل الباحثين من التعاون المباشر مع المؤسسات البحثية العالمية، وتبادل المعرفة والتجارب في بيئات رقمية آمنة وذات موثوقية عالية، بما يدعم التطلعات الوطنية لبناء اقتصاد قائم على الابتكار والمعرفة المتقدمة.
4- ترسيخ المكانة الإقليمية والدولية للمملكة:
يعكس إطلاق (تحالف الشبكة الكمّية السعودية) التزام المملكة بريادة مسارات الابتكار والعلوم المستقبلية على المستويين الإقليمي والعالمي. إذ يهدف هذا التحالف إلى تمكين المملكة من الريادة في أبحاث وتطبيقات الاتصالات الكمّية، مما يضع السعودية في خانة الدول التي تشارك في صياغة معايير الاتصالات الأمنية المستقبلية، وليس مجرد استخدامها.
نحو ريادة رقمية في عصر الكمّ:
يُشكّل إطلاق (تحالف الشبكة الكمّية السعودية) قفزة إستراتيجية نوعية في مسار التحول التقني للمملكة، إذ تنتقل من التركيز على الأمن السيبراني التقليدي إلى بناء درع أمني متقدم لعصر الحوسبة الكمّية.
ويمتاز هذا التحالف بتركيبته المتكاملة، التي تجمع بين القطاعين العام والخاص والشركاء العالميين الرائدين، مما يجعله نموذجًا للتكامل في مواجهة التحديات الأمنية المعقدة التي ستفرضها التقنيات الكمّية مستقبلًا.
ويكمن التحدي الآن في تسريع توطين الخبرات وبناء القدرات الوطنية لتمكين هذه الشبكة من تحقيق أهدافها الطموحة. ومع ذلك، فإن النجاح في هذا المسار سيُرسّخ مكانة المملكة كمركز عالمي للابتكار والأمن السيبراني الكمّي المتقدم، ويؤكد ريادتها في رسم ملامح المستقبل الرقمي الآمن.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط
المصدر: البوابة العربية للأخبار التقنية
أخبار متعلقة :