كشفت دراسة علمية نُشرت في مجلة Nature عن تقدم بارز في تصميم الأجسام المضادة باستخدام الذكاء الاصطناعي، مما قد يُحدث نقلة نوعية في صناعة الأدوية.
وقد نجح فريق من العلماء بقيادة البروفيسور ديفيد بيكر، الحائز على جائزة نوبل، في ابتكار أجسام مضادة جديدة وفعّالة بالكامل عبر نموذج ذكاء اصطناعي توليدي، في خطوة من شأنها تسريع عمليات تطوير الأدوية بنحو كبير.
ويعتمد النهج الجديد على استخدام نموذج ذكاء اصطناعي أُطلق عليه اسم “RFantibody”، وهو نسخة مُحسّنة من نموذج طوره الفريق سابقًا لتصميم البروتينات.
وقد عُزز النموذج ببيانات إضافية خاصة بالأجسام المضادة، مما مكنه من توليد تركيبات مبتكرة، والتنبؤ بأفضل الترشيحات للاختبار المخبري.
ويُعد هذا الإنجاز تحولًا في مجال الهندسة الحيوية، إذ يقول بيكر إن هذه التقنية تعد “نقلة نوعية” في تطوير العلاجات، مُشيرًا إلى الانتقال من الطرق التقليدية المعتمدة على المحاكاة البيولوجية والتجارب الحيوانية، إلى تصميم دقيق ومباشر مدعوم بالذكاء الاصطناعي.
وتُستخدم الأجسام المضادة على نطاق واسع في الأدوية الموجهة لعلاج السرطانات والأمراض الفيروسية، لكن اكتشافها كان تقليديًا عملية مُكلفة وبطيئة، تتضمن تجارب متعددة على الحيوانات تستغرق شهورًا.
ومن جانبه، أوضح جو واتسون الباحث المشارك في الدراسة والمؤسس المشارك لشركة Xaira Therapeutics، أن الذكاء الاصطناعي مكّن الفريق من تحديد الأجسام المضادة القادرة على الارتباط بدقة ببروتينات سرطانية، حتى مع الاختلاف الضئيل بينها والخلايا السليمة.
وأضاف واتسون قائلًا: “يكفي أن نحدد مكان الارتباط المطلوب، ليولد النموذج الجسم المضاد المناسب، وهذا ما يجعلنا نعتقد أن هذه التقنية تُعد مستقبل تصميم الأدوية”.
ومع هذا التقدم، يؤكد الخبراء أن الطريق ما زال طويلًا قبل أن تصل هذه الابتكارات إلى مرحلة العلاج الفعلي للمرضى، خاصةً أن تصميم الأجسام المضادة ليس إلا جزءًا من مسار تطوير الدواء، الذي يتضمن مراحل لاحقة مطوّلة تشمل التجارب السريرية والموافقات التنظيمية.
ووصف الدكتور فرانشيسكو أبريلي من كلية إمبريال كوليدج لندن هذا التقدم بأنه “إنجاز ملحوظ” يمكن أن يُحدث تطورًا في مجالي التكنولوجيا الحيوية والرعاية الصحية، من خلال تقليل الوقت والتكلفة اللازمين لتطوير الأدوية المعتمدة على الأجسام المضادة.
وما زال تطوير الأدوية اعتمادًا على الذكاء الاصطناعي يواجه مجموعة من التحديات الجوهرية، من أبرزها نقص البيانات العالية الجودة المطلوبة لتدريب النماذج بنحو فعّال، إذ غالبًا ما تكون البيانات الصيدلانية شحيحة أو متفرقة بين جهات مختلفة، مما يعوق استخدامها بصورة عملية، فضلًا عن تعقيدات الجسم البشري والمنظومات الحيوية فيه.
وبالإضافة إلى ذلك، يواجه الباحثون صعوبة في تفسير قرارات بعض نماذج الذكاء الاصطناعي، الأمر الذي يُضعف الثقة بنتائجها داخل بيئة حساسة مثل تصميم الأدوية، مع ملاحظة أن معظم الأدوية المطوّرة بالذكاء الاصطناعي تفشل في المراحل الأولية، حتى مع توقع نجاحها من الناحية النظرية على الورق.
وفي ظل الوعود الكبيرة التي تقدمها تقنيات الذكاء الاصطناعي في تسريع اكتشاف المركبات الدوائية، تظل العقبات التنظيمية والأخلاقية عائقًا أمام التطبيق الواسع لهذه التقنيات في القطاع الطبي والدوائي.
مقالات ذات صلة: الذكاء الاصطناعي واكتشاف الأدوية.. وعود ضخمة وإنجازات محدودة
نسخ الرابط تم نسخ الرابط
المصدر: البوابة العربية للأخبار التقنية




