يشهد قطاع التكنولوجيا العالمي في عام 2025 إحدى أكبر موجات تسريح الموظفين منذ سنوات، إذ استغنت الشركات التقنية الكبرى عن عشرات الآلاف من العاملين خلال الأشهر الأخيرة، في إطار إعادة هيكلة واسعة تهدف إلى خفض النفقات وتحسين الكفاءة التشغيلية استعدادًا لعصرٍ تتزايد فيه هيمنة الذكاء الاصطناعي والأتمتة في بيئات العمل المختلفة.
تسريحات كُبرى تعيد تشكيل القطاع التقني
وفقًا لبيانات صحفية، فقد تجاوز عدد الموظفين المسرّحين في القطاع التقني العالمي 90 ألف موظف منذ بداية عام 2025 حتى منتصفه، موزعين في أكثر من 200 شركة تقنية، مما يجعل العام الحالي أحد أكثر الأعوام اضطرابًا في سوق العمل التقني منذ عقد من الزمن.
ويرى محللون أن هذه الموجة تعكس تحولًا جذريًا في فلسفة العمل في شركات التكنولوجيا الكُبرى، إذ انتقلت من مرحلة التوسع السريع التي أعقبت الجائحة إلى ما يُعرف بـ”الترشيد الرشيق” مستعينةً بأدوات الذكاء الاصطناعي والبرمجيات المؤتمتة التي تؤدي المهام البشرية التقليدية.
أمازون في الواجهة.. أكبر عملية تسريح منذ 2023
تتصدر أمازون هذه الموجة بإعلانها حديثًا خطة لتسريح نحو 14 ألف موظف يتولون مهام إدارية، أي ما يعادل 4% من قوتها الإدارية البالغة 350 ألف موظف، في إطار جهودها لتقليص النفقات وإعادة هيكلة عملياتها لمواكبة الارتفاع الكبير في الإنفاق على الذكاء الاصطناعي.
وتشير تقارير أخرى حديثة من رويترز إلى أن الخطة قد تتوسع لاحقًا لتشمل حتى 30 ألف موظف، أي ما يقارب 10% من طاقمها الإداري، ضمن خطة تمتد حتى عام 2026، لكن أمازون لم تعلق على ذلك.
ويبلغ إجمالي عدد موظفي أمازون نحو 1.5 مليون موظف حول العالم بين العمل بدوام كامل وجزئي. وتُعدّ الموجة الحالية الأكبر منذ عام 2022 حين استغنت الشركة عن 27 ألف موظف.
وقالت بيث جاليتّي، نائبة الرئيس الأولى في الشركة، إن أمازون بحاجة إلى أن تكون “منظّمة بنحو أكثر رشاقة” لتستفيد من فرص الذكاء الاصطناعي، مؤكدةً أن الشركة سوف تُقلّل طبقات الإدارة في الشركة، وتمنح الموظفين صلاحيات أوسع لتسريع اتخاذ القرار.
ويشرف الرئيس التنفيذي آندي جاسي على حملة شاملة لتقليص البيروقراطية منذ توليه المنصب خلفًا للمؤسس جيف بيزوس، مركّزًا على جعل أمازون تعمل “كما لو كانت أكبر شركة ناشئة في العالم” على حد تعبيره.
التسريحات تطال وحدات رئيسية في أمازون
تشمل عمليات التسريح الأخيرة في أمازون أقسامًا مهمة مثل الأجهزة والإعلانات وخدمة برايم فيديو والموارد البشرية والعمليات وأليكسا ووحدة الحوسبة السحابية AWS. وتهدف الخطوة إلى إعادة توجيه الموارد نحو مشاريع الذكاء الاصطناعي والبنى التحتية الضخمة للبيانات، في وقت تنفق فيه أمازون 118 مليار دولار خلال عام 2025، معظمها لتشييد مراكز بيانات مخصّصة للذكاء الاصطناعي.
وتسعى أمازون من خلال هذه الاستثمارات إلى منافسة مايكروسوفت وجوجل في سباق بناء البنية التحتية الذكية، كما توسّع تعاونها مع شركة أنثروبيك التي استثمرت فيها 8 مليارات دولار لتوفير نماذجها الذكية في خدماتها السحابية.
خطة أخرى لأمازون.. الروبوتات بدلًا من البشر
في سياقٍ متصل، أظهرت تقارير استقصائية، استنادًا إلى وثائق داخلية مسرّبة كشفتها صحيفة “نيويورك تايمز”، أن شركة أمازون تتّجه نحو توسيع الاعتماد على الروبوتات والتقنيات المتقدمة داخل مراكزها التشغيلية، في خطوة قد تُمكّنها من تجنّب توظيف نحو 600 ألف عامل كان من المفترض استقطابهم بحلول عام 2033 في الولايات المتحدة، حتى مع توقّعات الشركة بمضاعفة مبيعاتها خلال تلك المدة.
وتشير الوثائق إلى أن فريق الروبوتات في أمازون يعمل على تحقيق هدف طموح؛ وهو أتمتة نحو 75% من عمليات الشركة، مع خطط قد تؤدي إلى الاستغناء عن أكثر من 160 ألف وظيفة في الولايات المتحدة وحدها بحلول عام 2027، في إطار تحوّل واسع نحو التشغيل الذكي وتقليل الاعتماد على اليد العاملة البشرية في المخازن والمستودعات بنحو رئيسي.
مقالات ذات صلة: الروبوتات بدلًا من البشر.. هل تمهّد أمازون لإنهاء عصر العمالة البشرية؟
التسريحات تمتد إلى شركات أخرى
لم تكن أمازون وحدها في هذا الاتجاه هذا العام؛ فقد أعلنت مايكروسوفت تسريح آلاف الموظفين إلى جانب تسريحات أخرى متفاوتة الحجم في شركات إنتل وميتا وجوجل. وتشير بيانات مختلفة إلى أن جزءًا كبيرًا من هذه التسريحات مرتبط بإدخال الذكاء الاصطناعي إلى بيئات العمل، مما قلّل الحاجة إلى العديد من الوظائف التقليدية.
أمثلة أخرى لعمليات التسريح في 2025:
- مايكروسوفت: سرّحت نحو 9,000 موظف، أي ما يعادل 4% من إجمالي قوتها العاملة، ضمن خطة لتخفيض التكاليف وتعزيز استثماراتها في الذكاء الاصطناعي.
- إنتل: أعلنت تقليص قوتها العاملة بنسبة 15%، أي ما يقارب 14,460 موظفًا من أصل 96,400، بهدف تبسيط الهيكل الإداري وتحسين الكفاءة التشغيلية.
- ميتا: استغنت عن نحو 600 موظف من قسم الذكاء الاصطناعي، وقد شمل ذلك فرق البحث والتطوير والبنية التحتية، ضمن خطة لإعادة هيكلة تركّز على تطوير الذكاء الاصطناعي الفائق.
- جوجل: سرّحت نحو 200 موظف من قسم الأعمال التجارية العالمية، بما يشمل فرق المبيعات والشراكات، في إطار جهود خفض النفقات وتحسين الكفاءة.
وفي المقابل، تواصل بعض الشركات التوظيف في مجالات النمو مثل الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني والحوسبة السحابية، مما يعكس إعادة توجيه للموارد أكثر من كونه انكماشًا فعليًا في حجم التوظيف.
إعادة تشكيل إستراتيجية لا أزمة اقتصادية
تُجمع التحليلات على أن موجة التسريحات الحالية ليست مجرد نتيجة لضغوط اقتصادية، بل هي إعادة هيكلة إستراتيجية عميقة في نمط عمل الشركات التقنية. فبعد عقدٍ من التوسع الكبير، تركّز الشركات الآن على الكفاءة والسرعة والابتكار، مع أتمتة العديد من الوظائف الإدارية والمتوسطة.
وتزداد في المقابل أهمية المهارات التي يصعب استبدالها مثل التفكير الإستراتيجي والتصميم المبتكر والقدرة على التعامل مع أدوات الذكاء الاصطناعي المتقدمة. ويؤكد خبراء أن الموظفين باتوا مطالبين بإعادة تأهيل أنفسهم ومواصلة التعلّم المستمر للبقاء في سوق العمل المتحوّل.
تأثيرات اقتصادية وآفاق مستقبلية
يرى محللون أن هذه التحولات ستترك أثرًا مزدوجًا: فمن جهة، قد تُضعف طلب الوظائف التقليدية وتؤثر في معنويات العاملين في القطاع التقني؛ ومن جهة أخرى، سوف تُمهّد الطريق لولادة نمط جديد من التوظيف القائم على المهارات الرقمية المتقدمة.
وتُظهر تطورات عام 2025 أن الذكاء الاصطناعي لا يُغيّر المنتجات فقط، بل يعيد تشكيل القوى العاملة بالكامل في كُبرى الشركات التقنية، وسوف يمتد ذلك إلى الشركات المتوسطة والصغيرة، وإلى قطاعات أخرى مثل البنوك وصناعة السينما والرعاية الصحية وغيرها.
وبينما تفقد بعض الوظائف قيمتها مع الأتمتة، تنشأ أخرى تتطلب كفاءات أعلى وقدرة على التكيّف مع الأدوات الذكية. وهكذا، فإن موجة التسريحات الحالية لا تُشير إلى تراجع الصناعة التقنية، بقدر ما تُعبّر عن تحوّل جوهري في طريقة عملها واستثمارها في المستقبل الرقمي.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط
المصدر: البوابة العربية للأخبار التقنية




