شهد العالم يوم الاثنين إحدى أوسع حوادث الانقطاع الرقمي في السنوات الأخيرة، إثر عطل ضخم في مركز بيانات تابع لشركة أمازون للخدمات السحابية (أمازون ويب سيرفيسز AWS) في ولاية فيرجينيا الأمريكية، المعروف باسم US-EAST-1، وهو الموقع الذي يُعد العمود الفقري لبنية “أمازون” السحابية، وعليه تعتمد عدد من خدمات الإنترنت حول العالم.
المواقع والخدمات المتأثرة
بدأ العطل عند الساعة العاشرة صباحًا بتوقيت مكة المكرمة، مما تسبب بتعطّل آلاف المواقع والتطبيقات بنسب متفاوتة في دول مختلفة حول العالم، ومن أبرز خدمات الإنترنت المتأثرة:
- تطبيقات تواصل اجتماعي مثل واتساب وسناب شات وريدت
- منصات ذكية مثل ChatGPT
- أدوات شهيرة مثل أليكسا (التابعة لأمازون)، و Zoom.
- منصات ألعاب مثل فورتنايت وكلاش أوف كلانز.
- منصات ترفيه مثل ديزني+.
- خدمات شركات طيران مثل دلتا إيرلاينز ويونايتد إيرلاينز.
- خدمات بنكية ومصرفية مثل فينم وروبن هود.
- مواقع إخبارية مثل نيويورك تايمز.
- مواقع حكومية بريطانية
- بعض شركات الاتصالات مثل فودافون.
- العديد من المواقع والخدمات والتطبيقات الأخرى.
أصل المشكلة: خلل في نظام أسماء النطاقات (DNS)
أوضحت “أمازون” أن العطل نجم عن خلل في نظام أسماء النطاقات (DNS) ضمن واجهات برمجة تطبيقات قاعدة البيانات DynamoDB في مركز بيانات ولاية فيرجينيا US-EAST-1، مما تسبب بفشل الأنظمة في تحديد العناوين الصحيحة للخوادم السحابية. ويُعد نظام DNS أقرب إلى “دفتر أرقام الإنترنت” الذي يربط أسماء المواقع الإلكترونية بعناوينها الرقمية (IP)، وأي خلل فيه يؤدي إلى انقطاع الاتصال بين التطبيقات وخوادمها.
إصلاح الخلل
أكدت الشركة أنها طبّقت “إجراءات أولية لتخفيف الآثار”، ثم أعلنت لاحقًا معالجة الخلل التقني الأساسي، لكنها أوضحت أن بعض الخدمات “ستحتاج وقتًا إضافيًا” لعودتها إلى العمل بنحو طبيعي.
ومع اتساع نطاق العطل الذي ضرب خدمات (أمازون ويب سيرفيسز AWS) على مستوى العالم، فإن تأثيره في الدول العربية جاء محدودًا مقارنةً بمناطق أخرى مثل أوروبا وأمريكا الشمالية.
تأثير محدود في الدول العربية
رصدت “البوابة التقنية” شكاوى عدد من المستخدمين عبر منصات التواصل الاجتماعي، وقد أفادوا بأنهم واجهوا بطئًا ملحوظًا أو انقطاعًا مؤقتًا في الوصول إلى بعض التطبيقات العالمية التي تعتمد في بنيتها الخلفية على خوادم AWS، مثل تطبيقات للتواصل الاجتماعي وبعض الألعاب الإلكترونية وبعض الخدمات التابعة لأمازون مثل أليكسا، لكنها سرعان ما عادت إلى العمل مع تحسّن أداء تلك المنصات عالميًا بعد ساعات من بدء الأزمة.
ولم تتأثر الخدمات المحلية والبنى التحتية الحكومية بنحو مباشر، نظرًا إلى اعتمادها على مراكز بيانات إقليمية وشبكات احتياطية مستقلة عن مركز”US-EAST-1″ المتأثر في ولاية فيرجينيا الأميركية.
وأوضح مختصون في قطاع الاتصالات أن السبب التأثير المحدود في الدول العربية ومنطقة الشرق الأوسط يعود إلى أن كثيرًا من المنصات الإقليمية تعتمد على خوادم محلية أو خوادم أخرى أقرب جغرافيًا، مما خفّف شدة التأثير المباشر للعطل الأمريكي.
ولم ترصد “البوابة التقنية” أي بيانات أو تعليقات رسمية بشأن العطل من الجهات الحكومية أو المؤسسات العامة في المنطقة العربية، مما يشير إلى محدودية تأثيره في عمل الخدمات والبنى التحتية في المنطقة، مثل البنوك والمطارات وأنظمة الملاحة وغيرها.
ويبرز هذا الحدث أهمية تعزيز الاستقلال الرقمي وبناء بنية سحابية محلية قادرة على الاستمرار في العمل حتى عند حدوث أعطال عالمية، كما أن اعتماد الشركات الناشئة والمنصات الحكومية على مراكز بيانات محلية أو مزوّدي خدمات سحابية إقليميين يمكن أن يجنب المواطنين أي آثار لمثل هذه الأعطال مستقبلًا.
هجوم سيبراني؟.. أمر مستبعد
لم تُصدر أمازون نفيًا صريحًا لاحتمال الهجوم السيبراني، لكنها أكدت في بياناتها أن الخلل كان تقنيًا بحتًا ومرتبطًا بنظام أسماء النطاقات (DNS) في مركز بياناتها بولاية فيرجينيا الأميركية، وفُهم أن الخلل حال دون تمكّن الخوادم من تحديد العناوين الصحيحة للتطبيقات، مما أدى إلى سلسلة من الأعطال التي أصابت خدماتها وخدمات شركائها حول العالم.
وحتى مع غياب أي مؤشرات حتى الآن على وجود نشاط خبيث أو هجوم منسق، فقد أثار الحادث جدلًا واسعًا حول هشاشة البنية الرقمية العالمية، واعتمادها المفرط على مزوّدات سحابية مركزية.
عالم رقمي أوهن من بيت العنكبوت
كشف الانقطاع الواسع في خدمات “أمازون ويب سيرفيسز” عن هشاشة البنية الرقمية العالمية، إذ أظهر أن الاعتماد الكبير على مزوّدات سحابية محدودة يجعل الإنترنت أكثر عرضة للأعطال المتسلسلة والانهيارات المفاجئة. وأوضحت التحليلات أن الخلل الأخير لم يكن مجرد مشكلة في التشغيل، بل مسّ سلامة البيانات نفسها، مما كشف عن ضعف في نزاهة البنية التحتية الرقمية.
ويُجمع الخبراء على أن معظم الشركات حول العالم تفتقر إلى خطط طوارئ فعّالة، حتى مع التحذيرات المتكررة من مخاطر المركزية الرقمية. ومع أن الخدمات السحابية المركزية توفر كفاءة وأمانًا مرتفعين، فإنها في الوقت نفسه تجعل أي انقطاع واحد ذا تأثير مضاعف على نطاق عالمي، يمتد من مواقع الويب إلى الأنظمة المصرفية وخدمات الاتصالات.
ويُعد العطل في مركز بيانات “فيرجينيا” التابع لأمازون الحادثة الثانية الكُبرى خلال أربع سنوات، مما يعكس خطورة الاعتماد على مراكز محددة تُعد نقاط ارتكاز لشبكات عالمية مترابطة. هذه الترابطية المفرطة تجعل أي خلل بسيط في خادم واحد قادرًا على شل قطاعات حيوية كاملةً.
وتذكّر الحادثة الأخيرة بأزمة CrowdStrike في يوليو 2024، حين تسبب تحديث خاطئ لأداة أمنية واحدة بتوقف ملايين الحواسيب حول العالم، في أزمة فاقت إلى حد بعيد أزمة الخلل الأخير في خوادم أمازون، مما أدى إلى تعطّل مطارات ومستشفيات وبنوك وشركات طيران كبرى. تلك الواقعة كانت إنذارًا واضحًا بأن العالم الرقمي قد أصبح موحّدًا إلى درجة تُحوّل الخطأ الفردي إلى أزمة عالمية.
ومع إعلان “أمازون” احتواء الخلل بالكامل، إلا أن ما حدث أعاد النقاش حول ضرورة بناء إستراتيجيات رقمية أكثر مرونة وتوزيع أفضل للبيانات والخدمات السحابية عبر مناطق متعددة، لتجنّب تكرار أزمات مماثلة قد تُكلّف الشركات مليارات الدولارات.
السيادة الرقمية.. أمن قومي عربي
في العالم العربي، تابعت الحكومات والمؤسسات التقنية هذه الحادثة وما سبقها بقلقٍ متزايد، نظرًا إلى اعتماد العديد من الخدمات الحكومية والخاصة على البنى التحتية السحابية لمزوّدين عالميين مثل أمازون ومايكروسوفت وجوجل.
ومع أن تأثير الخلل الأخير كان محدودًا مقارنةً بحادثة CrowdStrike العام الماضي، فإن الحادثة أعادت طرح سؤال جوهري: إلى أي مدى يمكن للمنظومات الرقمية العربية أن تصمد أمام خلل عالمي مماثل؟
إن هذه الأزمات تُعد فرصة لإعادة التفكير في سياسات التحوّل الرقمي من خلال الاستثمار في مراكز بيانات محلية وتطوير إستراتيجيات سيادة رقمية تقلّل الاعتماد على الخارج. كما بدأت بعض الدول العربية بالفعل في توسيع شراكاتها الإقليمية لبناء بنى تحتية سحابية مستقلة، تتيح استضافة البيانات الحساسة محليًا وتمنح الحكومات قدرة أكبر على إدارة المخاطر الرقمية.
ولعل أبرز الدروس المُستفادة من خلل “أمازون” الأخير هو أن التحوّل الرقمي لا يكتمل بالاعتماد على التكنولوجيا وحدها، بل يحتاج إلى رؤية متكاملة توازن بين الكفاءة والأمان والقدرة على الصمود أمام الاضطرابات التقنية المفاجئة.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط
المصدر: البوابة العربية للأخبار التقنية