في إطار المساعي الحكومية لتعزيز التوجه نحو الاقتصاد الرقمي في سوريَة، عُقد، خلال شهر أكتوبر الجاري، اجتماع تشاوري في وزارة الاتصالات وتقانة المعلومات برئاسة معالي الوزير، عبد السلام هيكل، ضمّ وفدًا من 26 سيدة رائدة في قطاعات ريادة الأعمال، والتقنيات الحديثة، والتعليم الجامعي، والإدارة التنفيذية.
وهدف ذلك اللقاء إلى مناقشة التحديات التي تعترض طريق المرأة في قطاع تقانة المعلومات وابتكار سبل تمكينها وتعزيز مشاركتها في مسيرة التنمية الرقمية.
وهذا التوجه يُعدّ ترجمة عملية لرؤية رسمية أوسع، سبق أن جسّدها خطاب معالي وزيرة الشؤون الاجتماعية والسكان، السيدة هند قبوات، خلال مشاركتها في أعمال الدورة الـ 76 للجنة التنفيذية للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، في سبتمبر الماضي، إذ أكدت في كلمتها أن النساء السوريات “لسن مجرد ضحايا، بل فاعلات أساسيات في إعادة إنتاج الحياة الاجتماعية والاقتصادية”، مشدّدة على “حقهن في أن يكن شريكات متساويات في صياغة مستقبل سوريَة”.
من التمكين الرمزي إلى المشاركة الفاعلة:
في كلمته خلال اللقاء، حدد معالي الوزير عبد السلام هيكل الفلسفة الجديدة للتمكين التي تتبناها الوزارة، قائلًا: “نحن لا نتحدث عن تمكين رمزي، بل عن مشاركة فاعلة للنساء في صياغة مستقبل الاقتصاد الرقمي في سوريَة”.
وأضاف موضحًا دور الوزارة: “يكمن دورنا في الوزارة في تهيئة البيئة التشريعية والتنظيمية التي تضمن فرصًا متكافئة وتمنح هذه الخبرات الفرصة للمساهمة في بناء مستقبل يعتمد الإبداع والتقانة كنهج أساسي”. ولفت معالي الوزير إلى أن القطاع التقني في أمسّ الحاجة إلى طاقات النساء الإبداعية وريادتهن في الإدارة والتنفيذ.
محاور النقاش:
وفقًا للبيان الرسمي الذي نشرته الوزارة، فقد ناقش الحضور أبرز العقبات التي تعيق تطور مشاركة المرأة في المجالات التقنية، وخلصوا إلى مجموعة من المحاور الرئيسية:
- ربط التعليم بسوق العمل: يُعدّ ذلك ضرورة قصوى لمواءمة التعليم الجامعي مع احتياجات السوق الفعلي، وذلك عبر تطوير مناهج متخصصة ومشروعات تطبيقية موجهة.
- دعم ريادة الأعمال: العمل على تيسير إجراءات تأسيس الشركات الناشئة، مع تعزيز الدور المحوري للحاضنات والمسرعات في دعم المشاريع الطلابية والريادية التي تقودها الكفاءات النسائية.
- بيئة العمل والقيادة: جرى طرح مقترحات لتطوير بيئة العمل في الشركات التقنية، وتشجيع النساء على تأسيس مشاريعهن الخاصة، بالإضافة إلى تولي مناصب قيادية في المؤسسات القائمة.
مجموعة عمل لـ”تمكين المرأة”:
وشهد اللقاء إعلان أحد أهم المخرجات العملية، وهو إطلاق “مجموعة عمل تُعنى بتمكين المرأة في قطاع تقانة المعلومات”، وهذه المجموعة، كما أوضح، أحمد سفيان بيرم، مستشار الابتكار وريادة الأعمال في وزارة الاتصالات وتقانة المعلومات، “تُنسّق أعمالها مع المجموعات الوطنية ذات الصلة، وتعمل على اقتراح برامج ومبادرات تستجيب لاحتياجات النساء في القطاع”.
وأردف بيرم”: “وجود مجموعة تمكين المرأة في قطاع التقانة يشكّل منصة وطنية للتشبيك وتبادل الخبرات وبناء القدرات، تتيح للنساء السوريات المشاركة الفاعلة في صياغة مستقبل التقانة في سوريَة”.
تمكين المرأة ليس ترفًا:
يبرز هنا عنصر الوصل الحيوي بين الجهود الوطنية والسياق الدولي، كما سلطت عليه الضوء وزيرة الشؤون الاجتماعية السورية. فقد أشارت الوزيرة هند قبوات إلى أن “تمويل خطة الاستجابة الإنسانية لسوريا لا يتجاوز 20% فقط”، ووصفت ذلك بأنه “اختبار لمصداقية المجتمع الدولي”، مما يضع معيارًا صارمًا للأولويات.
وفي هذا الإطار، يصبح التمكين الرقمي للمرأة – بما يناقشه من سبل لربط الشركات الناشئة النسائية بفرص التمويل والشراكات الدولية – بمنزلة اختبار عملي موازٍ لمدى صدق الدعم الدولي. ويتجاوز هذا مفهوم المساعدة الإنسانية الطارئة ليتحول إلى استثمار إستراتيجي وطويل الأمد في بناء القدرات البشرية والاقتصادية، التي تُعدّ المرأة ركيزتها الأساسية والضرورية.
رعاية المواهب:
وفي هذا الإطار، علقت المعلمة، رشا محمد، في حديثها إلى موقع (البوابة التقنية)، قائلة: “التمكين الرقمي يبدأ من الفصل الدراسي، لكنه لا ينتهي هناك. نحن بحاجة إلى ثورة في طرق التدريس تركز على مهارات التفكير النقدي وحل المشكلات والبرمجة، بدلًا من الحشو التقليدي”.
وأردفت: “الطالبات السوريات موهوبات، لكن النظام التعليمي يجب أن يزودهن بالأدوات التي تمكّنهن من تحويل تلك المواهب والإمكانيات إلى مشاريع واقعية، فتمكين المرأة رقميًا ليس ترفًا، بل هو استثمار في أقوى رأس مال بشري نملكه لإعادة الإعمار”.
ومن وجهة نظر قانونية، قالت المحامية المتدربة، هديل عمر، لموقع (البوابة التقنية): “التمكين الحقيقي يحتاج إلى بيئة قانونية داعمة. فهناك حاجة ملحة لتشريعات مرنة لتأسيس الشركات الناشئة، وقوانين تحمي الملكية الفكرية للنساء في مجال التقنية، وأنظمة عمل تراعي التوازن بين الحياة العملية والأسرية في القطاع الخاص التقني، وبدون هذه التشريعات، سوف تبقى جهود التمكين حبيسة الندوات والتقارير”.
وتابعت هديل عمر: “القانون يجب أن يكون حليفًا للمرأة الريادية، لا عائقًا أمام طموحها. فعندما تتمكن امرأة من تسجيل براءة اختراع أو تأسيس شركتها التقنية بسهولة، فإننا لا نمكنها فقط، بل نمكن المجتمع كله اقتصاديًا ومعرفيًا”.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط
المصدر: البوابة العربية للأخبار التقنية